أحدها: أنه لا ينفذ بحال؛ لأن الرَّهْن عقد لازم حجر به الراهن على نفسه، فلا يتمكن من إبطاله مع بقاء الدين.
والثاني: ينفذ؛ لأنه إعتاق صَادَفَ الملْك فأشبه إعتاق المستأجر والزوجة، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، إلاَّ أنَّ أبا حنيفة يقول: يستبقى العبد في قيمته إنْ كان الراهن معسراً.
والثالث: وهو الأصح، وبه قال مالك: أنه إنْ كان موسراً نفذ، وإلاَّ فلا تشبيهاً لسريان العِتْق إلى حق المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخر، والمعنى فيه أن حق الوثيقة لا يتعطّل ولا يتأخر إذا كان موسراً.
التفريع: إنْ قلنا: لا ينفذ فالرهن بحاله، فلو انفك بإبراء أَوْ غيره فقولان أو وجهان:
أظهرهما: أنه لا يحكم بنفوذه أيضاً؛ لأنه لا يملك إعتاقه فأشبه ما إذا أعتق المَحْجُور عليه بالسَّفَه ثم زال الحَجْر.
والثاني: يحكم بنفوذه؛ لأن المانع من النّفوذ في الحال حق المرتهن وقد زال، وقطع قاطعون بالثاني، والخلاف فيه كالخِلاَف فيما إذا أعتق المَحْجور عليه بالفَلَس عبداً ثم انفك الحجر عنه، ولم يتفق بيع ذلك العبد هل يعتق؟
وإنْ بيع في الدين ثم ملكه يوماً لم يحكم بالعِتْق، ومنهم مَنْ طرد فيه الخِلاَف المذكور في الصُّورة الأولى، وعن مالك أنه يحكم بنفوذ العِتْق في الصورتين.
وإن قلنا: ينفذ العتق مطلقاً فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الإِعْتَاق، ثم إنْ كان موسراً أخذت منه في الحال وجعلت رهناً مكانه، وإنْ كان معسراً نظَر إلى اليسار، فإذا أَيْسَرَ أخذت منه وجعلت رهنًا إنْ لم يحل الحق بعد، وإنْ حلّ طُوْلِبَ به ولا معنى للرهن، هكذا قاله أصحابنا العراقيون.
ولك أن تقول: كما أن ابتداء الرَّهْن قد يكون بالحال وقد يكون بالمؤجل، فكذلك قد تقتضي المَصْلَحة أخذ القيمة رهناً، وإن حل الحق إلى أنْ يتيسر استيفاؤه، وبتقدير صحَّة التَّفصيل الذي ذكروه، وجب أنْ يجري مثله في القيمة التي تؤخذ من المُوسر. ثم قال الإمام: ومهما بدل القيمة على قصد المغرم صارت رهنًا، ولا حاجة إلى عقد مستأنف، والأعيان مقصد المُؤدّى، ومتى كان المُعْتق موسراً أو التفريع على القول الثَّاني أو الثَّالث ففي وقت نفوذ العِتْق طريقان:
أحدهما: وهو الذي أورده القاضي ابن كَجٍّ: أنه على الأقوال في وقت نفوذ العِتْق في نَصِيب الشَّرِيك إذا أعتق الشَّريك نصيبه ففي قول: يتعجل، وفي قول: يتأخر إلى أن يغرم القيمة، وفي قول: يتوقف فإذا كرم أنفذنا العِتْق يقيناً.