للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرَّافِعِيُّ: أصل الفصل أن اليد على المرهون مستحقة للمرتهن، فإنها الرُّكْن الأعظم وفي التَّوَثُّق مما لا منفعة به مع بقاء عينه كالنقود والحبوب لا تزال يد المرتهن عنه، وإنْ أَمْكَن تحصيل الغَرَض مع بقائه في يد المُرْتهن يصار إليه جمعاً بين الحَقّين، وإنما تزال يده عند اشتداد الحاجة إليه.

إذا عرفت ذلك فإنْ كان العبد محترفاً وتيسر استكسابه هناك، ولم يخرج من يده إِنْ أراد الراهن الاستكساب، وإنْ أراد الاسْتِخْدام أو الركوب أو شيئاً من الانتفاعات التي يحوج استيفاؤها إِلَى إخراجه من يده فعن رواية صاحب "التقريب" قول قديم أنه لا يخرج من يده، ولا نوهن وثيقته، والمشهور أنه يخرج ثم ينظر إن استوفى تلك المنافع بإعارة من عدل أو إجارة بالشرط الذي سبق فله ذلك، وإن أراد استيفاءها بنفسه.

قال في "الأم": له ذلك، ومنع منه في القديم، فحمل حاملون الأول على الثقة المأمون جحوده، والثاني على غيره، فأجراهما مُجْرون قولين مطلقين (١)، ووجهوا الثَّاني بما يخاف من جُحُوده وخيانته لو سلم إليه، والأول بأن ماله استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه، ويشبه أن يكون هذا أظهر، ويتفرّع عليه ما نقله إمام الحرمين وصاحب الكتاب، وهو أنه وثق المُرْتهن بالتسليم فذاك، وإلاَّ أشهد عليه شَاهِدَيْن أنه يأخذه للانتفاع فإنْ كان مشهور العَدَالة موثوقاً به عند الناس فوجهان:

أشبههما: أنه يكتفي بظهور حاله، ولا يكلف الإِشْهَاد في كل أخذة لما فيه من المشقة، ويزداد في أخذ الجَارِيَة للاستخدام نظر آخر، وهو أنَّ الراهن إنما يمكن منه إذا أمن غشيانه إياها بأن كانت محرماً له، أو كان ثقة وله أهل كما تقدم نظيره، ثم إنْ كان إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدام استيفاؤها فذاك، فإن كان لمنفعة تستوفى في بعض الأوقات كالاستخدام والركوب فتستوفى نهاراً وترد إلى المرتهن ليلاً. وليس لِلرَّاهن أنْ يسافر بالمرهون بحال طاهر سفره أم قصر لما فيه من الخَطَر والحَيْلُولة القوية من غير ضرورة، ولمثل هذا منع زوج الأَمَة من المسافرة بها، وإنما جاز لِسَيِّدها أنْ يسافر بها لحقه المتعلّق بالرَّقَبَة، ولئلاَّ يتكاسل في تَزْوِيْجِها، ويجوز لِلْحُرِّ أنْ يسافر بزوجته رعاية لمصالح النِّكَاح التي لها فيها الحظ الوافر.

واعلم أن لفظ الكتاب هاهنا وفي "الوسيط" يدل على أنه لا ينزع العبد من يد المرتهن إذا أمكن اسْتِكْسَابه وإن طلب الراهن منه الخدمة، ولم يتعرض الأكثرون لذلك، وقضية كلامهم أن له أن يستخدم مع إمكان الاستكساب (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) قال النووي: المذهب جوازه مطلقاً. ينظر الروضة ٣/ ٣٢٢.
(٢) قال النووي: كلام الغزالي محمول على موافقة الأصحاب. ينظر الروضة ٣/ ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>