للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الشرط فلأن الثمن مجهول عند الإذن فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالاً آخر مجهولاَ، وإذا بطل الشرط بطل الإذن فإنه وقف الإذن على حصول الوَثِيْقَة في البَدَل، وإذا بطل الإذن بطل البيع، ولو أذن في الإِعْتَاق وشرط جعل القيمة رهناً أو في الوطء بهذا الشرط إنْ أحبل ففيه القولان. ولو أذن في البيع بشرط أن يعجل حقه من ثمنه وهو مؤجل فالمنصوص فساد الإذن والبيع لفساد الشرط.

وقال أبو حنيفة والمزني وأصحاب أحمد: يصح الأِذْن والبيع ويجعل الثمن رهناً مكانه، وعن أبي إسحاق تخريج قول من المسألة السَّابقة، واحتج المُزَنِيّ بأن فساد الشَّرْط لا يوجب فساد الإِذْن والبيع، أَلَا ترى أنه لو وكل وكيلاً يبيع عبده على أن له عشر ثمنه يصح الإذن والبيع مع أن الشرط فاسد لكون الأُجْرَة مجهولة، ويرجع الوكيل إلى أجرة المِثْل، وأجاب الأصحاب بأن الموكل لم يجعل لنفسه في مقابلة الإذن شيئاً، وإنما شرط للوكيل جُعْلاً مَجْهُولاً فاقتصر الفساد عليه، فهاهنا المرتهن شرط لنفسه شيئاً في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فإذا فسد فسد ما يقابله، ولهذا المعنى قدح قادحون في تخربج أبي إسحاق وقالوا: الشَّرط صحيح في المسألة الأولى على قول فصح الإذن المقابل له، وهاهنا المرتهن شرط لنفسه شيئاً في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق، فالشرط فاسد بالاتفاق، فلا يمكن تصحيح ما يقابله، ولو اختلفا فقال المرتهن: أذنت في البيت بشرط أن ترهن الثمن، وقال الراهن: بل أذنت مطلقاً، فالقول قول المرتهن، كما لو اختلفا في أصل الإذن، ثم إنْ كان الاختلاف قبل البيع فليس له البيع، وإنْ كان بعده وحلف المرتهن، فإنْ صححنا الإذن فعلى الراهن رهن الثمن، وإلاَّ فإنْ صدق المُشْتَرِي المرتهن فالبيع مردود وهو مرهون كما كان، وإنْ كذبه نظر إنْ أنكر أصل الرَّهْن حلف وعلى الراهن أنْ يرهن قيمته، وإنْ أقر بكونه مرهوناً، وادَّعى مثل ما ادعاه الراهن فعليه رد المبيع، ويمين المرتهن حجة عليه أيضاً.

قال الشيخ أبو حامد: ولو أقام المرتهن بَيّنة على أنه كان مرهوناً فهو كما لو أقر المشتري به، والله أعلم.

وقوله في الكتاب: "لأنه نقل للوثيقة" ليس تعليلاً لقول المنع خاصة وإنما أشار به إلى كلام ذكره الإمام وهو أن الخلاف في المسألة يترتب على الخلاف في رهن ما يتسارع إليه الفساد بالدين المؤجل، فإن منعناه بذلك لصرنا إلى امتناع نقل الوثيقة من عين إلى عين، فعلى هذا لا يجوز الإذن بشرط النقل، وإنْ صححناه وقد احتملنا نقل الوثيقة فيجوز شرطه، فهذا ما أراده إلاَّ أنَّ لك أنْ تمنع قوله، إذا منعنا رهنه بالدين المؤجل فذلك لمصيرنا إلى امتناع نقل الوثيقَة من عين إلى عين، وتقول: بل ذلك لامتناع النقل من غير التعرض للنقل، ولهذا يصح رهنه بالدين المؤجل بشرط البيع عند الإشراف على الفساد، وهاهنا وجد التعرض للنقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>