والثَّاني: يجوز الانفراد كيلا يشق عليهما، فعلى هذا إن اتفقا على كونه عند أحدهما فذاك، وإنْ تنازعا والرهن مما ينقسم قسم وحفظ كل واحد نصفه، وإن كان مِمَّا لا ينقسم حفظه هذا مدة وهذا مدة.
ولو قسماه بالتَّرَاضي والتَّفْريع على الوجه الثَّاني، ثم أراد أحدهما أَنْ يرد ما في يده علي صاحبه ففي جوازه وجهان لابن سُرَيْجٍ (١).
وجه المنع: أن المشقة قد اندفعت بما جرى، وإذا أراد العَدْل الذي وضع الراهن عنده رده إليهما أو إلى وكيلهما، فإن كان غائبين ولا وكيل فهو كرد الوديعة وسيأتي إن شاء الله تعالى، وليس له دفعه إلى أحدهما دون إذن الآخر، فإنْ فعل ضمن، واسترد منه إن كان باقياً، وإنْ تلف في يد المدفوع له نظر إنْ دفعه إلى الراهن رجع المرتهن بكمال قيمته، وإن زادت على حقه ليكون رهناً مكانه ويغرم من شاء من العَدْل والرَّاهن والقرار على الراهن، فإن غرم العَدْل فله أن يكلف الرَّاهن قضاء الدَّيْن لفك المَأْخُوذ منه، وإن دفعه إلى المُرْتَهِن فلِلرَّاهن أنْ يغرم من شاء من العدل والمرتهن قيمته ليكون رهناً والقرار على المرتهن؛ فإنْ كان الحق حالاً والدين من جنس القيمة وقع الكلام في التَّقاص، ولو غصب المرتهن الرَّهْن من يد العدل ضمن، فلو رده إليه برئ، وحكى الإمام في "النهاية" وجهاً: أنه لا يبرأ إلا بالرَّدِّ إلى المالك أو بإذن جديد للعدل في أخذه والمذهب الأول، وكذلك الجَوَاب لو غصب الوَدِيعة من المودع أو العَيْن المُكْرَاة من المكتري أو الرَّهْن من المرتهن ثم رد إليهم.
ولو غصب اللّقَطَة من الملتقط لم يبرأ بالرد إليه، ولو غصب من المستعير أو المُسْتَام ثم رد فوجهان؛ لأنهما مَأْذُونَان من جهة المالك لكنهما ضامنان.
ولو اتفق المتراهنان على نقل الرَّهْن إلى يد عدل آخر جاز، فإنْ طلبه أحدهما فلا يجاب إلاَّ أنْ يتغير حاله بفسق أو يضعف عن الحفظ بينه وبين أحدهما عَدَاوَة فيطلب نقله، فحينئذٍ ينقل إلى يد آخر يتفقان عليه، فإنْ تشاحا وضعه الحاكم عند مَنْ يراه، فلو كان من وضعاه عنده فاسقاً في الابتداء فازداد فسقًا فهو كما لو كان عدلاً ففسق، وكذا لو مات وأراد أحدهما إخراجه من يد وارثه، وكذا لو كان في يد المرتهن فتغير حاله أو مات كان للراهن نقله، وفي "النهاية" نقل وجه أنه إذا مات المرتهن لا تزال يد ورثته، ولكم إذا لم يرض الرَّاهن بيدهم ضمَّ القاضي إليهم مشرفاً.
وإذا ادَّعى العدل هلاك الرَّهْن في يده أو رده فالقول قوله مع يمينه كالمودع، ولو أتلف الرَّهْن عمداً أخذت منه القيمة، ووضعت عند آخر، ولو أتلفه مخطئاً أو أتلفه غيره
(١) قال النووي: قطع صاحب "التهذيب" بأنه لا يجوز. ينظر الروضة ٣/ ٣٢٦.