حتى لو غرس قبله قَلَعَ ولو غرس بعده فَسَيَأْتي الحكم في العَارِية.
وقوله في الكتاب:(وهو بعد الغِرَاس عارية) يجب تأويل؛ لأنه بعد الشَّهْر عَارِيَة غرس أو لم يغرس.
وثانيها: لو رهن منه مالاً على أنه إذا حل الأجل فهو مبيع منه، أو على أن يكون مبيعاً منه بعد شهر، فالرَّهْن والبيع فاسدان، أما الرُّهْن فلكونه مؤقتاً.
وأما البَيْع فلكونه مشروطاً، ويكون المال أمانة في يده قَبْل دخول وقت البيع وبعده مضمونًا، لأن البَيْع عقد ضمان ونقل وجهاً في "النهاية": أنه إنما يصير مضموناً إذا أمسكه عن جهة البَيْع، أما إذا أمسكه على موجب الرَّهْن فلا، والمذهب الأول، فلو كان أرضاً فغرس فيه المرتهن، أو بني قبل دخول وقت البيع قلع مجاناً، وكذا لو غرس بعده وهو عالم بفساد البيع، وإنْ كان جاهلاً لم يقلع مجاناً لوقوعه بإذن المالك وجهله بعدم الجواز، فيكون الحكم كما لو غَرَسَ من المُسْتَعِير ورجع المعير.
وثالثها: إذا ادَّعى المرتهن تلف الرَّهْن في يده قبل قوله: مع يمينه، وعن مالك أنه إنْ أخفى هلاكه لم يقبل، وإن ادَّعى ردّه إلى الرَّاهن: فطريقة العراقيين من أصحابنا أنَّ القول قول الرَّاهن مع يمينه، ولا يقبل قول المرتهن إلاَّ ببيّنة؛ لأنه أخذه لمنفعة نفسه فأشبه المستعير، ويخالف دعوى التَّلف لأنه لا يتعلق بالاختيار، ولا تساعده فيه البَيّنة، قالوا: وكذا الحكم في المستأجر إذا ادَّعى الرَّد، ويقبل قول المودع والوكيل بغير الجُعْل مع اليمين؛ لأنهما أخذا المال بمحض غرض المالك، وقد ائتمنهما فليصدقهما، وفي الوكيل بالجُعْل والمُضَارب، والأجير المشترك إذا لم يضمنه ذكرنا وجهين:
أحدهما: أنهم مطالبون بالبينة؛ لأنهم أخذوا لغرض أنفسهم في الأجرة والربح.
وأصحهما: أنه يقبل قولهم مع أيمانهم؛ لأنهم أخذوا العيْن لمنفعة المالك، وانتفاعهم بالعمل في العَيْن لا بالعَيْن، بخلاف المُرْتهن والمستأجر، وهذه الطريقة هي الَّتِي سلكها أكثر الأصحاب سيما قدماؤهم، وتابعهم القاضي الرُّوياني، وذهب بعض الخُرَاسَانيين من المَرَاوِزَة وغيرهم: أن كل أمين يصدق في دعوى الرد كالمودع، قالوا: ولا عبرة بمنفعته في الأخذ، كما لا عبرة بها في وجوب الضَّمَان عند التلف بخلاف المستعير والمستام واعرف في لفظ الكتاب من الفرع شيئين:
أحدهما: أنه سوى بين التَّلف والرد، وساق الطريقين في دعواهما جميعاً، وليس كذلك بل الكُلّ مطبقون على تَصْدِيقه في دعوى التَّلَف، وإنَّمَا الاختلاف في الرد.
واعلم: أن قولنا: يقبل قوله في التلف نريد به القبول في الجملة، وله تفصيل نذكره في كتاب "الوديعة" إن شاء الله تعالى.