قال الرَّافِعِيُّ: ليس للمرتهن في المرهون سوى حق الاستيثاق.
أما البيع وسائر التصرفات القولية والانتفاعات وسائر التَّصرفات العَقْلية، فهو ممنوع من جميعها، فلو وَطِئَ الجارية المرهونة لم يخل إما أنْ يطأ بدون إذْنِ الراهن أو بإذنه.
الحالة الأولى: أن يطأ بدون إذنه، فهو كما لو وطئ غير المرهونة وإن ظنها زوجته أو أمته، فلا حَدَّ وعليه المهر والولد حُرٌّ نسيب، وعليه قيمته للراهن، وإنْ لم يظن ذلك ولم يدع جَهْلاً، فهو زَانٍ يلزمه الحَدِّ كما لو وطئ المستأجر الجارية المُكْراة، ويجب المَهْر إنْ كانت مدكرهة، وإنْ كانت مطاوعة لم يجب على الأصح، وهذا الخلاف بتوجيهه مذكور في الغَصْب. وإن ادَّعى الجهل بالتَّحْريم، لم يقبل إلاَّ أنْ يكون حديث العَهْد بالإِسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن بلاد المُسْلِمِين، فقبل قوله لدفع الحد، وحكى المسعودي في قبوله لثبوت النَّسب خلافاً للأصحاب، وأجرى مسألة في حُرِّيَّة الولد ووجوب المَهْر، والأصح ثبوت الكل؛ لأن الشُّبْهة كما تدرأ الحَدّ تثبت النَّسب والحرية، وإذا سقط الحَدّ وجب المهر.
والثانية: أنْ يَطَأَ بإذنه فإنْ علم أنه حرام، فظاهر المذهب أنه يجب عليه الحَدّ، وفيه وجه: أنه لا يجب لاختلاف العلماء، فإن عطاء بن أبي رباح -رضي الله عنه- كان يجوز وطء الجارية بإذن مالكها، وإن ادَّعى الجهل بالتَّحريم، فوجهان:
أحدهما: أنه لا يقبل إلاَّ أن يكون حديث العهدب بالإسلام، أو من في معناه كما في الحالة الأولى.
وأصحهما، وبه قال القاضي أبو الطيب: أنه يقبل ويرفع الحَدّ، وإنْ نشأ بين المسلمين؛ لآن التحريم بعد الإذْن لما خفى على عَطَاء، مع أنه من علماء التَّابِعِين لا يبعد خفاؤه على العَوَام، وإذا اندَفع الحَدّ فهل يلزمه المَهْر؟