للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قبله فعن ابْنِ سُرَيْجِ: أن له أن يرجع، وقال غيره: لا؛ لأن وضع الضَّمَانِ على اللزوم.

وإذا قلنا بالجديد، فلو قال: أقرض فلاناً كذا وعلى ضمانه فأقرضه قال القَاضِي الرّويَانِي -في المَذْهب-: أنه لا يجوز، وعن ابْنِ سُرَيْجِ تجويزه؛ لأنه ضمان مَقْرُونٌ بالقرض.

المسألة الثانية: ضمان نفقة المدة المَاضِية للزَّوْجَةِ صحيحة، سواء كانت نفقة المُوسِرِين أو المعسرين، وكذا ضمان الادام ونفقة الخَادِمة وسائر المُؤَن، ولو ضمن نفقة اليوم فكمثل، لأنها تَجِب بطلوع الشَّمْس، وفي ضمان نفقة الغَد والشَّهْرِ المستقبل. قولان، بناءً على أن النفقة تجب بالعقد أو بالتمكين.

إن قلنا: بالأول وهو القديم، صَحّ وإن قلنا: بالثَّانِي فَلاَ، وَهُوَ الأَصح، هكذا نقل عَامَّةُ الَأصْحَابِ، وأشار الإمام إلى أنه على قولين مع تفريعنا على أن ضَمَان مَا لاَ يَجِب بَاطِل؛ لأن سبب وجوب النفقة على تعاقب الأيام نَاجِز وهو النِّكَاح، وهذا ما أورده المصنف، وقال: (وفي ضمان ما سبق سبب وجوبه، ولم يجب) إلى آخره وفيه إشكال؛ لأن سبب وجوب النفقة إما النِّكَاح، أو التمكين في النِّكَاح، إن كان الأول فالنفقة واجبة، فكيف قال: (ولم يجب)، وإن كان الثاني فالسبب غَيْر موجود، ويجوز أن يقال في الجواب: المراد من سبب الوجوب هاهنا ما تقرر به الوجوب، بل المراد منه الأمر الذي إذا وجد، استعقب الوجوب ظاهراً عند وجود أمر آخر.

وبيان ذلك بأنهم نقلوا قولين فيما إذا ضَمِن أرش الجنَاية وما يتولد منها، ومعلوم أن الجناية ليست سبباً لما يتولد منها إلا على هذا التفسير، أما عند قولنا: سبب الوجوب النكاح والتمكين، فنعني به ما يقترن به الوُجوب، فهذا جوزنا ضمان نفقة المستقبل، فَلَهُ شَرْطَانِ:

أحدهما: أن يقدر مدة، أما إذا أطلق لم يصح فيما بَعْدَ الغَدِ، وفيه وجهان أَخْذاً من الخِلاَفِ فيما إذا قال: أجرتك كل شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، ولم يقدر هل يصح في الشَّهرِ الأول؟

والثاني: أن يكون المضمون في نفقة المُعْسِرِين، وإن كان المضمون عنه موسراً أو متوسطاً؛ لأنه ربما يعسر، وفي "التتمة" وجه آخر: أنه يجوز ضَمَان نَفَقَةِ المُوسِرِينَ والمُتَوَسِّطِينَ؛ لأن الظاهر استمرار ماله، وضمان نفقة القريب للمدة المستقبلة لاَ يجوز، وفي ضَمَانِ نفقة اليوم وَجْهَان، والفرق أن سبيلَها سبيلُ البِرِّ والصِّلَةِ، لا سبيل للدُّيُون؛ ولهذا تسقط بمضي الزَّمَانِ وضيافة الغَيْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>