المسألة الثالثة: من باع شَيْئاً فخرج مستحقاً فعليه رَدُّ الثَّمَنِ ولا حاجة فيه إلى شَرْطٍ والْتِزَامٍ، قال القَفَّالُ: ومن الحماقة اشتراط ذلك في القبالات، وإن ضمن عَنْهُ ضَامِنُ ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقاً فهذا ضمان العُهْدَة ويسمى ضَمَانُ الدرك أيضاً.
أما ضمان العهدة فقد قال في "التتمة": إنما سمي به لالتزامه ما في عُهْدَةِ البَائِعِ رده، ويجوز أخذه من شيئين آخرين:
أحدهما: قال في "الصحاح": يقال في الأمر عهدة، أي لم يحكم بعد، وفي عقله عهدة أي ضَعْف، فكأن الضَّامِنَ ضمن ضعف العقد والتزم ما يحتاج فِيهِ مِنْ غُرْمٍ.
والثَّانِي: قال العهدة الرجعة، يقال: أبيعك الملسى لا عهدة، أي تتملس وينقلب فلا يرجع إلى، فالضامن التزم رجعة المُشْتَرِي عليه عند الحَاجَةِ.
وأما الدَّرك فقد قال في "الصحاح": الدرك التبعة تسكن وتحرك، وفي "التتمة": أنه سمي ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحق من مَالِهِ، وفي صحة هذا الضَّمَان طريقان:
أظهرهما: أنها على قولين:
أحدهما: خرجه ابْنُ سُرَيْجٍ وغيره: أنه لا يصح؛ لأنه ضمان ما لم يجب؛ ولأنه لا يجوز الرَّهْنُ بِهِ فكذلك الكفيل.
وأصحهما: وهو نَصّه في آخر كتاب الإقرار أنه صَحِيح، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لإطباق النَّاسِ عليه، وإيداعه الصكوك في جميع الأعصار، والمعنى فيه أن الحَاجَة تمس إلى مُعَامَلَةِ من لا يعرف من الغُرَماء، ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظَّفر بِهِ، لو ظهر الاستحقاق فيحتاج إلى التَّوْثِيق.
والثاني: القطع بالصِّحة حكاه القَاضِي ابْنُ كِجٍّ عن أبي إسحاق وابْنِ القَطَّانِ، وأجيب عن توجيه قَوْلِ المنع بأنه إذا بان الاستحقاق بَان، إن رد الثمن كان واجباً إلا أنا كنا لا نَعْرِفه.
وأما الرهْنُ فالكلام فيه قد مرَّ فِي كتاب الرَّهْنِ.
التفريع: إن قلنا: بالصحة فَذَاك إذا ضَمِنَ بعد قبض الثَّمَنِ، أما قبله فَوَجْهَانِ:
أحدهما: الصحة؛ لأن الحَاجَةَ تدعو إليه، إذ ربما لا يثق المشتري بتسليم الثَّمَنِ إلا بعد الاستيثاق.
وأصحهما: المنع؛ لأن الضامن إنما يضمن ما يدخل في ضمان البائع ويلزمه