للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُشْتَرِي وَبَرِئَ، ولا يمنع البَائِع مِنْ أَنْ يَحْلِف، ويطلب من المُشْتَرِي حقه نكوله في الخُصومة الأولى مع شِرِيكه، وعن حِكَاية الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ: أنه يمنعه بناءً على أن يمين الرَّدِّ كالبينة، أو كإقرار المُدَّعَى عَلَيْهِ إن كانت كالبينة، فكأنه قامت البَيَّنَةَ عَلَى قَبْضِهِ جميع الثَّمَن، وإن كانت كالإقرار فكأنه أَقَرَّ بِقَبْضِ جَميع الثَّمَنِ، وعلى التَّقْدِيرَينِ يمتنع عليه مُطَالبة المُشْتَرِي، وهذا ضَعيفٌ باتفاق الأئِمة؛ لأن اليمين إِنَّمَا تَجْعل كالبينة، أو كالإِقْرَار له فِي حَقِّ المتخاصمين، وفِيمَا فيه تَخَاصِمهما لا غير، وَمَعْلوم أَنَّ الشريكَ إِنَّما يَحْلِف على أنه قَبَضَ نَصِيبه، فإنه الذي يُطَالب به، فكيف يؤثر يمينه في غَيْرِه وعلى ضَعْفِه؟ فقد قال الإمام -رحمه الله-: القياس طَرْدُه فيما إذَا تَقَدَّمت خُصومةُ البَائِع والمُشْتَرِي، وَنَكَلَ البَائِعُ وَحَلَفَ المُشْتَرِي اليَمِين المَرْدُودَة حتى يقال: تثبت لِلَّذِي لم يبع مُطَالَبة البَائِع بِنَصِيبهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ خُصومَةٍ، لكون يَمِين الرَّد بمنزلة البينة أو الإقْرَار والله أعلم.

فهذا أحد وَجْهَي اختلاف الشَّرِيكين في القَبْضِ.

والوجه الثَّاني: أن يقول الشَّرِيك البَائِع لِلَّذي لم يبع: قبضت الثَّمن كلَّه وصدقه المُشْتَري، فأنكر الذي لَمْ يَبع فَلَهُ حَالَتَان:

إحداهما: أن يكون الذي لم يبع مأذوناً من جِهَة البَائِعِ في قَبْضِ الثَّمَنِ، فيبرأ المُشْتَرِي عن نَصِيب البَائِع، لاعترافه بأن وكيله قَدْ قبض، ثم تعرض خُصُومتان كَمَا فِي النِّزَاع الأَوّلِ، فَإِنْ تَخَاصَمَا الذي لَمْ يَبعْ والمُشْتَرِي، فالقولُ قولُ الَّذِي لم يبع في نَفْيِ القَبْضَ، فَيَحْلِف ويأخذ نصيبه ويسلم له المأخوذ، وإن تَخَاصَم البَائِع والَّذِي لم يبع حلف الَّذِي لَمْ يَبع، فإن نَكَلَ حَلف البَائِعُ وأخذ منه نَصِيبَه ولا رجوعَ لَهُ عَلى المُشْتَرِي، وكل ذلك كَمَا مَرَّ في النِّزاعِ الأَوَّلِ، ولو شَهِد البَائِع لِلْمُشْتَرِي عَلَى القَبْضِ لم تقبل؛ لأنه يشهد لِنَفْسِهِ على الذي لَمْ يَبع.

والحالة الثانية: أن لا يَكُون الَّذِي لم يبع مأذوناً من جِهَةِ البَائِعِ فِي القَبْضِ فلا تبرأ ذِمَّة المُشْتَرِي عَنْ شَيْءٍ من الثَّمَنِ، أما عَن حق الذي لم يبع، فلأنه مُنْكر في القَبْض، ومصدق في إنْكَاره بيمينه، وأما عن الَّذِي بَاعَ فلأنه لم يَعْتَرِف بقَبْضٍ صَحِيحٍ، ثم لا يخلو: إما أن يكون البَائِعُ مأذوناً من جِهَةِ الَّذِي لم يبع في القَبْضِ، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

القسم الأول: أن يكون مأذوناً فله مُطَالبة المُشْتَري بِنَصِيبِهِ مِنَ الثَّمَنِ، ولا يتمكن من مُطَالَبَتِهِ بنصيب الَّذِي لم يبع؛ لأنه لَمَا أقر بِقَبْضِ الَّذِي لَمْ يَبعْ نَصِيبَه، فَقَدْ صَارَ معزولاً عَنْ وكالته، ثم إذا تَخَاصَم الَّذِي لم يبع والمُشْتَرِي، فعلى المُشْتَري البينة على القَبْضِ، وإن لم تَكُنْ البَيِّنَة، فالقولُ قَوْلُ الذي لَمْ يَبع، فإذا حَلَف ففيمن يَأْخُذ حَقَّه منه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>