وجهان: قال المُزَنِيّ وَابْنُ القَاصّ وآخرون: إن شاء أخذ تَمَام حَقّه من المُشْتَرِي، وإن شَاءَ شارك البَائِع في المَأْخُوذ وأخذ البَاقِي من المُشْتَرِي؛ لأن الصَّفقة واحدة، فَكُلّ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ شَائِعٌ بينهما، فإن أخَذَ بِالْحِصَّة الثانية لم يبق مع البَائِعِ إلَّا ربع الثَّمَن، ويفارق هَذَا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القَبْضِ، حيث لا يشاركه البَائِع فيما يأخذه من المُشْتري؛ لأن زعمه أن الذي لَمْ يبع ظَالِمٌ فيما أخذه فلا يُشَارِكه فيما ظلم به، قال ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: ليس له إلا أخذ حقه من المُشْتَرِي، ولا يشارك البَائِع فيما أخذه؛ لأن البَائعَ قد انعزل عن الوَكَالَة بإقراره، وأن الَّذي لَمْ يبع قَبْض حَقّه فيما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خَاصَّة، وهذا كلام استحسنه الشَّيْخُ أبُو حَامِدٍ والشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، لَكِنْ أبو عَلِيّ قال: إنه وإن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين؛ بناءً على أن مالكي السَّلْعَة إذا بَاعَاها بصفقة وَاحِدَةٍ هل ينفرد أحدهما بِقَبْضِ حصته من الثَّمنَ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، بل إذا انفرد بأخذ شَيْءٍ شاركه الآخر فيه، كما أن الحَقَّ ثابت لِلْوَرثة، لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصته منه، ولو فعل شاركه الآخرون فيه، وكذا لو كاتبا عبدهما صفقة وَاحِدة، لم ينفرد أحدهما بأخذ حَقِّه من النُّجُومِ.
والثاني: نعم، كما لَوْ بَاعَ كل واحد منهما نصيبه بعَقْدِ مفرد، ويخالف المِيرَاث والكتابة، فإنهما لا يثبتان في الأَصْلِ بصفة التّجزيء، إذ لا ينفرد بَعْضُ الورثة ببعض أعْيَانِ التركة، ولا تجوز كَتَابَة بَعْضِ العَبْدِ، فلذلك لَمْ يَجُز التجزيء في القبض، ولو شَهِد البَائِع لِلْمُشْتري على أن الذي لم يبع قد قبض الثَّمن، فعلى قول المُزَنِي: لا تقبل شهادته؛ لأنه يدفع بها شركة صَاحِبه فيما أخذه، وَعَلى ما ذكره ابْنُ سُرَيْج تقبل.
والقسم الثَّاني: أن لا يكون البائع مأذوناً في القَبْضِ، قال أصْحابنا العراقيون: للبائع مطالبة المُشْتري بحقه هاهنا وما يأخذه يسلم له، وتقبل هاهنا شهادة البَائِع لِلْمُشْتَرِي على الذي لَمْ يَبع، وقياس البِنَاء الذي ذكره الشَّيْخُ أَبُو عَلِيّ عود الخِلاَف في مُشَاركة صَاحِبه، فيما أخذه تَخْرِيج قبول الشَّهَادة على الخِلاَف، ويجوز أن يستفاد من جَوَابهم ترجيح الوجه الصَّائِر إلى الأَصْلِ المبني عليه، أن كُلَّ شَرِيك ينفرد بقبض حِصَّته على أني رأيت في فَتَاوَى الحَنَّاطِي حكاية وجه: أن أحدَ الموارثين أيضاً إذا قبض من الدَّيْنِ قَدْرَ حصته لم يشاركه الآخر، إلا أن يأذن له المَدْيُون في الرّجُوعِ عَلَيْهِ، أو لا يجد مالاً سواه، هذا فقه المسألة.
واعلم أن المزني أجاب في الوَجْهِ الثَّانِي من اختلاف الشَّريكين بان المشتري يبرأ من نِصْفِ الثمن بإقرار البَائِع أن شريكه قد قبض؛ لأنه في ذلك أمين، وظاهر هَذَا يشعر بسقوط نصيب الذي لم يبع، كما أن في الوجه الأول من اختلافهما سقط نصيب الذي لم يبع، والأصْحَاب فيما أطلقه فريقان فغلّطه فرقة منها ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبو إسْحَاق وقالت: