للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: (الرُّكْنُ الثَّانِي): المقولة وَلَهُ شَرْطَانِ: (الأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِهَذَا الحِمَارِ عَلَيَّ أَلْفٌ بَطُلَ قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ: بِسَبَبِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ لزمه لِمَالِكِهِ عَلَى تَقْدِيِرِ الاسْتِئجَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِعَبْدٍ لزم الَحّقِ لِمَوْلاهُ، وَلَوْ قَالَ: لَحَمْل فُلانَةَ عَلَيَّ أَلْفٌ من أُرْثِ أَوْ وَصِيَّةٍ قُبِلَ، وَلَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَذْكُرِ الجِهَةَ فَظَاهِرُ الَنَّصِّ أنَّهُ لاَ يُقْبَلُ، وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَيَنْزِلُ عَلَى هَذَا الاِحْتِمَالِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْمَقْبَرَةِ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ أَضَافَ إِلَى وَقْفٍ عَلَيْهِ قُبِلَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فعَلَى الخِلاَفِ.

قال الرافعي: يشترط في المقر له أهلية استحقاق الحق المقر به، وإلاَّ كان الكلام لغوًا وهزوًا.

وفيه ثلاثة صور:

إحداها: لو قال: لهذا الحمار، أو لدابة فلان عليّ ألف بطل إقراره، ولو قال: بسببها عليّ ألف صح، ولزمه حملاً على أنه جنى عليها، أو أكثرها.

وعن الشيخ أَبِى عَاصِمٍ العبادي وجه: أنه لا يصح؛ لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة، ولا تتصور المعاملة معها.

ولو قال: لعبد فلان عليّ أو عبدي كذا، صح، وكان الإقرار لسيده، ويخالف مسألة الدابة؛ لأنه لا يتصور المعاملة معها، وتتصور مع العبد، والإضافة إليه كالإضافة في الهِبَةِ، وسائر الإنشائات.

وقوله في الكتاب: "ولو قال: بسببه عليّ ألف لزمه لمالكه" -المراد ما إذا قال


= أحدهما: أن يقال إقراره إن كان صادقاً لم يعمل به الإكراه، وإن كان كاذبًا لم يعمل به لأن الكذب باطل. والثاني: أن يقال إن كان صدقاً عمل به لأن الصدق يجب العمل به، وإن كذباً فهو غير مكره عليه فيعمل به، والمسألة محتملة، والظاهر التفصيل وهو أن يقال إن كان المكره عالماً بالصدق، فهو إكراه لأنه لا يخليه إلا بذلك، وهذا يتصور في السلطان إذا علم قضية، وقلنا: لا يحكم بعلمه فأكره صاحبها لصدق بحضرة الشهود، فهذا أقر لم يقبل وإن لم يكن المكره عالماً بالقضية، فكل الأخبار في حقه سواء، فلا يكون الإقرار المأتي به مكرهاً عليه فيقبل، والقبول بعد الضرب في صورة الإكراه على الشيء بعينه. نص عليه الشَّافعي -رحمه الله- إذاً لم يحدث له خوف له سبب، فإن حدث فإقراره انتهى أي كلام السبكي.
والولاة في هذه الأزمان يأتيهم من يتهم آخر بسرقة أو قتل ونحوهما، فيضربونه ليقر بالحق، ويراد بذلك الإقرار بما ادعاه خصمه، والصواب إن هذا إكراه سواء أقر حال ضربه أو بعده، وعلم إنه لو لم يقر بذلك لضرب ثانياً. ينظر الروضة ٤/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>