الاحتمال، وقاعدة الإقرار الأخذ باليقين قال الإمام رحمه الله: وبتقدير حمله على الوعد، فالقياس أن الوعد بالإقرار إقرار كما أنا نقول: التوكيل بالإقرار إقرار، ولو قال في الجواب: لا أنكر أن يكون محقًا لم يكن مقراً بما يدعيه لجواز أن يريد في شيء آخر، فلو قال: فيما تدعيه، فهو إقرار، ولو قال: لا أقر به، ولا أنكر فهو كما لو سألت، فيجعل منكرًا وتعرض عليه اليمين، ولو قال: أبرأتني عنه، أو قبضته فهو إقرار، وعليه بَيِّنة القضاء أو الإبراء.
وعن بعض الأصحاب: أن قوله: أبرأتني ليس بإقرار لقوله تعالى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا}[الأحزاب: ٦٩] وتبرئته عن عيب الأُدْرة لا يقتضي إثباته له، ولو قال: أقررت بأنك أبرأتني، واستوفيت مني لم يكن إقرارًا، ولو قال في الجواب: لعل أو عسى أو أظن أو أحسب أو أقدر لم يكن مقرًا وهاهنا مباحثة، وهو أن اللفظ وإن كان صريحًا في التصديق، فقد تنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والكذب، ومن جملة الأداء والإبراء وتحريك الرأس على شدة التعجب، والإنكار، ويشبه أن يحمل قول الأصحاب: إن صدقت، وما في معناه إقرار على غير هذه الحالة.
أما إذا اجتمعت القرائن فلا يجعل إقرارًا، أو يقال: فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة، كما لو قال: لي عليك ألف، فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك عليّ ألف فإن أبا سعيد المتولي حكى فيه وجهين.
الثالثة: لو قال: أليس لي عليك ألف، فقال: بلى كان مقراً، ولزمه الألف، ولو قال: نعم فوجهان.
أحدهما: أنه لا يلزمه؛ لأن "نعم" تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام، وبلى تكذيب له من حيث أن أصل بلى "بل" وزيدت عليها "الياء"، وهو الرد والأستدراك، وإذا كان كذلك فقوله: بلى رد لقوله أليس لي عليك ألف، فإنه الذي أدخل عليه حرف الاستفهام، وبقي له، ونفي النفي إثبات، فكأنه قال: لي عليك لك على ألف، وقوله: نعم تصديق له، فكأنه قال: ليس لي لك علي عليك ألف، هذا تلخيص ما نقل عن الكسائي وغيره أئمة اللُّغة، وعلى وفاقه ورد القرآن قال الله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}[الأعراف: ١٧٢] وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف: ٨٠] وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤)} [القيامة: ٣، ٤] وقال تعالى في لفظه نعم: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}[الأعراف: ٤٤]، وقال تعالى:{أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ}[الشعراء: ٤١]، والوجه الثاني أن يكون مقرًا بأن كل واحد منهما يقام مقام الآخر في العرف، والوجه الأول هو الذي أورده صاحب