وأما النقل، فلأن قضية إيراد غيرهما أنه إن ادعى أنه تلف أورده قبل الإقرار لم يصدق؛ لأن التَّالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني، فإن ادعى التلف بعد الإقرار، فيصدق، وقد صرح به صاحب "الشامل" في موضعين من الباب.
الحالة الثانية: أن يذكره على الاتصال، فيقول: لفلان عليَّ ألف وديعة، فيقبل، وتأويل كلامه على ما مر.
وعن الشيخ أبِي إِسْحَاقَ: أنه على القولين فيما لو قال: عليَّ ألف قضيته، وهو متوجه تفريعًا على عدم القبول حالة الانفصال.
وإذا قلنا بالقبول فإذا أتى بألف، وقال: هذا هو، فبع به، وإن لم يأت بشيء، وادعى التلف، أو الرد، ففي القبول وجهان بناهما في "التهذيب" على تأويل كلمة "عليَّ" إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِلَ، وهو الأصح، وإن حملناه على صَيْرُورَتِهِ مَضْمونًا عليه، فلا يجوز أن يثبت في الحالة الأولى مثل هذا الخلاف، نظرًا إلى المعنيين، ولو قال: معي أو عندي ألف، فهو محتمل للأمانة، مصدق في قوله: إنه كان وديعة، وفي دعوى التلف والرد، ولو قال: له عندي ألف درهم مضاربة دينًا، أو وديعة دينًا، فهو مضمون عليه، ولا يقبل قوله في دعوى التلف، والرد نص عليه، ووجهوه بأن كونه دينًا عبارة عن كونه مضمونًا، فإن قال: أردت به أنه دفعه إلى مضاربة أو وديعة، بشرط الضمان لم يُقبل قوله، لأن شرط الضمان في الأمانة لا يوجب الضمان، هذا إذا فسر منفصلاً، وإن فسره متصلاً، ففيه قولا تبعيض الإقرار، ولو قال: عندي ألف عارية، فهي مضمونة عليه، صححنا إعارة الدراهم، أو أفسدناها؛ لأن الفاسد كالصحيح في الضمان، ولو قال: دفع إليَّ ألفًا، ثم فسره بوديعة وزعم تلفها في يده صدق بيمينه، وكذا لو قال: أخذت منه ألفًا.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قال: أخذت منه ألفًا، ثم فسره بوديعة، وقال المأخوذ منه: بل غصبته، فالقول قول المقر له؛ لأن الأخذ منه قد لا يكون برضاه ودفعه يكون برضاه وعن القَفَّال أنه قال؛ المذهب عندي أنه يفرق بين اللفظين، كما قال أبو حنيفة رحمه الله، ولو ذكره على الاتصال، فقال: أخذت من فلان ألفًا وديعة، فعند أبى حنيفة لا يقبل، وعلى ما ذكره القَفَّالُ يجيء فيه القولان في تبعيض الإقرار، وظاهر المذهب لا يخفى والله أعلم.