فإن المستعير من الغَاصِبِ يستقرُّ عليه الضمان، ولو كانت العارية أمانة لما استقر، كالمودع من الغاصب.
وذهب مَاِلكٌ إلى أن العارية مضمونة إلاَّ أن تكون حيواناً، فهو أمانة، ولو أعار بِشَرْطِ أن تكون أمانة لغَا الشرط، وكانت مضمونة، وإذا وجب الضمان، فأي قيمة تجب؟ فيه ثلاثة أوجه، وسماها الزَّجَّاجيُّ أقوالاً، وكذلك فعل في "الوسيط".
أحدها: أقصى القيم من يوم القَبْضِ إلى التلفِ؛ لأنه لو تلف في حالة زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة، فأشبه المغصوب.
والثاني: قيمة يوم القبض تشبيهاً بالقرض يومئذ.
والثالث وهو الأصح: قيمة يوم التلف؛ لأن إيجاب أقصى القيم بمثابة ضمان الأجزاء التالفة بالاستعمال، وهي غير مضمونة على الصحبح، كما سيأتي، ومن قال بالأول منح كون تلك الأجزاء غير مضمونة بالاستعمال على الإطلاق.
وقال إنما لا يضمن إذا رد العين، وينبني على هذا الخلاف أن العارية إذا ولدت في يد المستعير، هل يكون الولد مضمونًا في يده (١).
إن قلنا: إنْ العارية مضمونة ضمان الغصب، كان مضمونًا عليه، وإلاَّ فلا، وليس له استعماله بلا خلاف، والخلاف المذكور في العارية أنها كيف تضمن جارٍ في المأخوذ على سبيل السوم إلاَّ أن الأصَحَّ هناك على ما ذكره في "النهاية" أن الاعتبار بقيمة يوم القبض؛ لأن تضمن أجزائه غير ممتنع.
وقال غيره: الأصح فيه كهو في العارية، وهذا كله فيما إذا تلفت العين، لا بالاستعمال، أما إذا تلفت بالاستعمال بأن انْمَحَقَ الثوب باللبس، فوجهان:
أصحهما: أنه لا يجب ضمانها كالأجزاء.
والثاني: يجب؛ لأن حق العارية أن ترد، فهذا تعذر الرد لزم الضمان، وعلى هذا فما الذي يضمن؟ فيه وجهان:
أحدهما، وهو المذكور في "النهاية": أنه يضمن العين بجميع أجزائها.
وأصحهما، وهو المذكور في "التهذيب": أنه يضمن في آخر حالات التقويم، وصححه في "التتمة".
(١) قال النووي: ولو استعار دابة وساقها، فتبعها ولدها ولم يتكلم المالك فيه بإذن ولا نهي، فالولد أمانة. قاله القاضي حسين في "الفتاوى". ينظر الروضة ٤/ ٧٧.