أحدهما: أنه لايلزمه تحصيله؛ لأن الموجود بأكثر من ثمن المثل، كالمعدوم بدليل الماء في الطهارة والرقبة في الكفارة.
والثاني: يلزمه؛ لأن المثل كالعين، ورد العين واجب، وإن لزم في مؤنته أضعاف قيمته، وهذا أظهر الوجهين عند صاحب "التهذيب" والقاضي الروياني، والأول أظهر عند آخرين، ومنهم صاحب الكتاب، وفرقوا بين المثل والعين، بأنه تَعَدَّى في العَيْنِ دون المثل (١)، فلا يأخذ المثل حكم العين، هذا ما يتعلّق بقسم المِثْلِيِّ والله أعلم.
قال الغزالي: أَمَّا المُتَقَوَّمَاتُ إِذَا تَلِفَتْ تُضْمَنُ بِأقْصَى قِيمَتِهَا من وَقْتِ الغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ، فَإِنْ أَبَقَ العَبْدُ ضُمِنَ (ح) في الحَالِ لِلْحَيُلُولَةِ، فَإذَا عَادَ رُدَّتِ القِيمَةُ (ح) وَسُلِّمَ العَبْدُ، وَللغَاصِبِ حَبْسُ العَبدِ إِلى أَنْ تُرَدُّ القِيمَةُ عليه.
قال الرافعي: القسم الثاني من الأموال: المتقوم، فإذا غصبه، وتلف عنده لزمه أقصى قيمته من يوم الغصب، إلى يوم التلف؛ لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد، فإذا لم يرد ضمن بدله، وإنما تجب القيمة من نقد البلد الذي حَصَلَ فيه التلف، وتفاوت القيمة قد يكون لزيادة ونقصان في المغصوب، كما إذا كان العبد كاتباً، فنسي الكتابة، وقد يكون لمحض ارتفاع الأسواق وانخفاضها، فلو كانت قيمة مائة، فبلغت مائتين، ثم عادت بتراجع الأسواق إلى مائة وخمسين، ثم هلك لزمه مائتان ولا عبرة باتفاق السوق بعد التلف، ولو تكرر ارتفاع السوق، وانخفاضها لم يضمن كل زيادة، وإنما يضمن أكثر.
ولو أتلف متقوماً من غير غصب لزمه قيمته يوم الإتلاف، فإن حصل التلف بتدرج وسراية، واختلفت القيمة في تلك المدة، كما إذا جنى على بهيمة قيمة مثلها يومئذ مائة، ثم هلكت، وقيمة المثل خمسون. وقال القفال: يلزمه مائة؛ لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية، فلأن نعتبرها في نفس الإتلاف كان أولى.
وليعلم قوله في الكتاب:"فأقصى قيمتها" بالحاء والألف.
أما الحاء، فلان أَبَا حَنِيْفَةَ يعتبر قيمة يوم الغصب، بناء على أن الزوائد غير مضمونة. وأما الألف، فلان أَحْمَدَ يعتبر قيمة يوم التلف، إذا كان التفاوت لاضطراب
(١) وهذا الثاني أصح، وصححه الشاشي أيضاً. ولا فرق في اختلاف القيمة بين السعر، أو تغير المغصوب في نفسه، وإنما تجب القيمة من نقد البلد الذي حصل فيه التلف. كذا أطلقه الرافعي وهو محمول على ما إذا لم ينقل، فإن نقله قال في "الكفاية": فيتجه أن يعتبر نقد البلد الذي تعتبر القيمة فيه وهو أكثر البلدين قيمة كما تقدم في المثلى.