واحتج الشَّافعي -رضي الله عنه- فقال: جناية قطع اليدين فوق جناية قطع إحداهما، فإذا لم يستفد بالغرامة في أدنى الجنايتين ملكًا وجب إلاَّ يستفيد في أعلى الجنايتين بطريق أولى.
وعبارة الأصحاب أنه جنى على ملك الغير، فلا يتوقف تغريمه على تمليكه، كما لو قطع إحدى اليدين، ولو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب، وتغريمه بدله لم يكن له ذلك، فإنه عين ملكه.
ونقل صاحب "المهذب" وغيره وجهاً أنه إذا طحن الطعام المغصوب للمالك ترك الدقيق ومطالبته بالمثل؛ لأنه أقرب إلى حقه من الدقيق.
والنوع الثاني: ما له سراية لا تزال تزداد إلى الهلاك الكلي، كما لو بل الحنطة، وتمكن منها العفن السَّاري، أو اتخذ من الحِنْطة المغصوبة هريسةٍ، أو غصب سمناً وتمراً ودقيقاً، واتخذ منها عصيدة نقل العراقيون عن نصه -رضي الله عنه- في "الأم" أنه يجعل كالهالك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل، أو قيمة.
وقول آخر عن رواية الرَّبيع أنه يرده مع أرش النقصان، ثم قالوا: فيه طريقان للأصحاب:
أحدهما: إثبات القولين، وجه الثاني القياس على النوع الأول من النقصان، ووجه الأول أنه مشرف على التلف والهلاك، ولو ترك حاله لفسد، فكأنه هالك.
والطريق الثاني: القطع بالقول الأول، وجعله كالهالك أظهر عندهم، سواء أثبت القولين أو لا.
وأما الإمام وصاحب "التهذيب" فإنهما رويا في المسألة قولين:
أرجحهما: أنه يرده مع أرش النقصان، وليس للمالك إلاَّ ذلك.
والثاني: أنه يتخير المالك بينه وبين أن يغرمه بدل ماله من مثل، أو قيمة، ويجعل كالهلاك؛ لأن أرْشَ النقص السَّارى لا يكاد ينضبط، فله أن يكفى مؤنة نفسه الاطلاع عليه وأيضاً، فإنه إذا لم يرده وتركه بحاله يهلك، بخلاف ما إذا طحن الحِنْطَة، فإنه وإن لم يرد الدقيق، فلو تركه بحاله لا يهلك.
ونسب الإمام التخير هكذا إلى نص الشَّافعي -رضي الله عنه- وبه أجاب طائفة، منهم الشيخ أَبُو مُحَمَّدٍ والمَسْعُودِيُّ، وهو كالمتوسط بين ما اختاره العراقيون، وبين ما اختاره الإمام، وصاحب "التهذيب"، وذكر البندنيجى قولاً آخر عن رواية أَبِي إسحاق في الشرح أنَّه يتخير الغاصب بين أن يسكنه ويغرمه، وبين أن يرده مع أرش النقصان، ويخرج المختصر من هذه الروايات أربعة أقوال: