أحدهما: نعم، وبه قال أَبُو عَلِي الطَّبَرِيُّ؛ لأنه مضمون بالغلي كالزيت.
والثاني: لا، وبه قال ابْنُ سُرَيْجٍ، والفرق أن حلاوة العصير باقية، والذاهب منه مائية ورطوبة لا قيمة لها، والذاهب من الزيت زيت متقوم، وهذا أصح مما ذكره الشيخ أبُو حَاِمدٍ وَالقاضي الروياني، ومن قال به قطع بأنه لا يضمن مثل العصير الذاهب.
وإيراد صاحب الكتاب يقتضى ترجيح الوجه الأول، وربما يقول: من رجحه الذاهب من الزيت المائية أيضاً إلاَّ أن مائيته أقل، وعلى هذا أن يعود الوجهان المذكوران في أنه هل يضمن مِثْل الزيت الذاهب إذا لم تنتقص القيمة؟
والخلاف المذكور فيما إذا أغلى العصير يجري فيما إذا صار خلاًّ، وانتقص عينه دون قيمتة، وكذا إذا صار الرطب تمراً، والله أعلم.
قال الرافعي: نقصان المغصوب، هل ينجبر بالكمال بعده، ينظر إن كان الكمال من الوجه الذي حصل فيه النقصان، كما لو هزلت الجارية (١) ثم سمنت، وعادت، كما كانت، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه ينجبر، ويسقط الغرم، كما لو أبق العبد، فعاد، وكما لو جنى على عين، فابيضت، ثم زال البياض.
وأظهرهما: المنع؛ لأن السمن الثاني غير الأول، ويروى هذا عن الإِصْطَخْرِيِّ، والأول عن ابن أَبي هرَيْرة، والوجهان عند القاضي أَبِي الطَّيِّبِ مبنيان على الَخلاف، إِذا قلع سن كبير، وعاد، وضعفه صاحب "التتمة"؛ لأن عود سن الكبير نادر، وعود السمن ليس بنادر، فهو بعود سن الصغير أشبه، وأجرى الوجهان فيما إذا كان العبد المغصوب صانعاً، فنسى الصنعة، ثم تذكرها أو تعلمها، ومنهم من قطع هاهنا بالأنجبار؛ لأن السمن الثاني زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لما كان، وتذكر الصنعة لا يعد في العرف شيئاً متجدداً، والظاهر هاهنا الانجبار، سواء ثبت الخلاف أو لا.
(١) قال النووي: الأصح هنا، إلحاقة بالِسّمَن، لا بتذكر الصنعة؛ لأن هذه صنعة أخرى، وهو متبرع بعلمه. والله أعلم.