مسح، وهذا كما ذكرنا في مسح الرأس، ثم لا بد وأن يكون محل المسح ما يوازي محل الفرض من الرّجل، إذ المسح بدل عن الغسل، وهل جميع ذلك محل المسح؟ أم لا؟ لا كلام في أن ما يحازي غير الأَخْمُصَيْن وَالعَقِبَيْن محل له، وأما ما يحازي الأخمصين وهو أسفل الخف ففي جواز الاقْتِصَار على مسحه ثلاثة طرق:
أظهرها: أن فيه قولين:
أظهرهما: أنه لا يجوز؛ لأن الرخص يجب فيها الاتباع، ولم يؤثر الاقتصار على الأسفل. قال أصحاب هذه الطريقة: وهذا هو المراد فيما رواه المزني في "المختصر"؛ أنه إن مسح باطن الخف وترك الظاهر، وأعاد.
والثاني: وهو مخرج أنه يجوز؛ لأنه محاذ لمحل الفرض كالأعلى، وعبر بعضهم عن هذا الخلاف بالوجهين:
والطريق الثاني: القَطْعُ بالجواز، ثم من الصَّائرين إليه من غلط المزني، وزعم أن ما رواه لا يعرف الشافعي في شيء من كتبه. ومنهم من قال: أراد بالباطن الداخل، لا الأسفل.
والطريق الثالث: القطع بالمنع، وأما عقب الخف ففيه وجهان أنه ثم منهم من رتب العَقِبَ على الأسفل، وقال: العقب أولى بالجواز لأنه ظاهر يرى والأسفل لا يرى في أغلب الأحوال فأشبه الدّاخل. ومنهم من قال العقب أولى بالمنع إذ لم يرد له ذكر أصلاً ومسح الأسفل مع الأعلى منقول: وإن لم ينقل الاقتصار عليه.
وتنبه بعد هذا الأمور على ألفاظ الكتاب:
أحدها: قوله: "فإن اقتصر على الأسفل" بعد قوله: "مما يوازي محل الفرض" كالمنقطع عنه، ولو قال، لكن لو اقتصر أو نعم لو اقتصر، وما أشبه ذلك كان أولى ليشعر باستثنائه مما يوازي محل الفرض.
الثاني: قوله: "فظاهر النص منعه" جواب على طريقة القولين؛ لأن هذا الكلام إنما يطلق غالباً حيث يكون، ثم قول آخر، مخرج الثالث، ظاهر كلامه يقتضي تَجْوِيز المسح على عقب الخف؛ لأنه قال: أقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازي محل الفرض، ولم يخرج عنه إلا أسفل الخف وموضع العقب مما يوازي محل الفرض وليس هو من أسفل الخف لكن الأظهر عند الأكثرين أنه لا يجوز الاقتصار عليه، كالأسفل، وأما الأكمل فهو أن يمسح أعلى الخف وأسفله، خلافاً لأبي حنيفة، وأحمد حيث قالا: لا يمسح الأسفل. لنا ما روي عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-