للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: اعتبر في المنفعة المعقود عليها خمسة شروط:

أحدها: أن تكون متقوّمة (١) ليحسن بذل المال في مقابلتها، فإن لمِ يكن كذلك كان بذل المال لها سفهاً وتبذيراً، فصنع منه كما منع من شراء ما لا يُتتَفعُ به، وفيه صور:

إحداها: ذكر أن استئجار (٢) تفاحة للشَّم فاسد وكأن المنع ناشئ من أن التفاحة الواحدة لا تقصد للشم، فيكون استئجارها كشراء الحبة الواحدة من الحِنْطة والشعير، فإن أكثر فالوجه الصحة، ولأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرَّيَاحين للشم، ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين.

الثانية: في استئجار الدراهم والدنانير وجهان، كما في إعارتها.

والأصح: المنع والأعارة أولى بالجواز؛ لأنها مكرمة لا معاوضة، ولذلك جَوَّز بعضهم الإعارة مع منع الإجارة، وذكرنا هناك بحثاً في أن موضع الخلاف إطلاق إعارة الدراهم، أو التعرض لغرض التبرين، بناء على الخلاف في أن صحة الإجارة من غير تعيين لجهة المنفعة، وهاهنا لا تصُح الإجارة عند الإطلاق بمال؛ لأن تعيين الجهة في الإجارة لا بد منه. وعن أبي حنيفة أنه إن عين جهة الانتفاع بها من تزيين الحوانيت، أو الموزن بها، أو الضرب على طبعها صحت الإجارة، وإلاَّ كانت قرضاً، وأما استئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت بها فكلام المصنف هاهنا وفي "الوسيط" يقتضي القطع بمنعه وكذلك ذكره القاضى حُسَيْن.

وعن الإمام وغيره أنه على الوجهين، فيجوز إعلام قوله: "والطعام لتزيين الحوانيت" بالواو، والوجهان جاريان في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب، والوقوف في ظلها، وربط الدواب بها؛ لأن الاستئجار لا يقصد لهذه الأغراض.

وذهب بعضهم إلى أن الأصح الصحة هاهنا على خلاف الأصح في مسألة الدراهم والدنانير؛ لأنها منافع مهمة ومنفعة التزيين ضعيفة.

وأجرى في "التهذيب" الوجهين في استئجار الببغاء للاستئناس، وبالجواز أجاب أبو سعيد المتولي، وكذلك في كل مستأنس بلونه كالطاوس، أو بصوته كالعندليب.

الثالثة: استئجار البياع على كلمة البيع، أو كلمة تروج بها السلعة، ولا تعب فيها فاسد؛ لأنه لا قيمة لها، ولم يجعلوا هذا من صور الوجهين، لكن المحكي عن الإمام


(١) لم يرد المنصف رحمه الله المتقومة هنا مقابلة المثلية بل ما لها قيمة ليحسن بذل المال في مقابلتها.
(٢) في ط كراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>