للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متقومة بنفسها لا بعين تضم إليها كأنه قدر انقسام المنفعة إلى مقومة بنفسها، ومتقومة بعين تنضم إليها، ولمانع أن يمنع ذلك، ويقول: إن العين المنضمة إلى المنفعة هي المتقومة، والمنفعة لا تستفيد من العين تقوماً. وقال في "الوسيط" معبراً عن هذا الشرط: أنه لا يَتضمن استيفاء عين قصد وهذا أليق بمسائل الفصل، وعلته أن الإجارة عقد يبتغي به المنافع دون الأعيان، هذا هو الأصل ألاّ أنه قد تستحق بها الأعيان متابعة لضرورة أو حاجة حاقّة، فتلحق تلك الأعيان حينئذ بالمنافع. وفيه مسائل: إحداها: استئجار الكروم والبستان لثمارها، والشَّاة لنتاجها، أو صوفها، أو لبنها باطل؛ لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، وهذا في الحقيقة بيع الأعيان معدومة ومجهولة.

الثانية: الاستئجار لإرضاع الطفل جائز، ويستحق به منفعه وعين المنفعة أن تضع الصبي في حجرها، وتلقمه الثدي، ويعصره عند الحاجة، والعين اللبن الذي يمتصه الصبي، وإنما جوزناه وأثبتنا به استحقاق اللبن، لأنّا لو منعناه لاحتاج إلى شراء اللبن كل دقيقة، وفيه من المشقة ما يعظم، ثم الشراء إنما يمكن بعد الحَلْب، والتربية لا تتم باللبن المحلوب (١)، ثم الأصل الذي يتناوله العقد ماذا. فيه وجهان؛

أحدهما: اللبن، وفعلها تابع، لأن اللبن مقصود لعينه، وفعلها مقصود لإيصال اللبن المقصود إلى الصبي.

وأصحهما: أن الأصل المتناول بالعقد فعلها واللبن مستحق تبعاً لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦].

علل الأجرة بفعل (٢) الإرضاع لا باللبن وأيضاً فإن الإجارة موضوعة لاستحقاق المنافع، فإن استحق فيها عين لضرورة تدعو إليه فهي متابعة، كالبئر تستأجر لسقي مائها، والدار تستأجر، وفيها بئر يجوز الاستسقاء منها، ثم إن استأجرها للحضانة مع الإرضاع جاز وإن استأجرها للارضاع ونفى الحضانة فوجهان:

أحدهما؛ لا يجوز؛ لأنه لا يجوز استئجار الشاة لإرضاع السّخلة.

وأصحهما: الذي أورده أن الأكثرون أنه يجوز، كما يجوز أن تستأجر لمجرد الحضانة. قال الإمام: وهذا الخلاف فيما أذا قصر الإجارة على صرف اللبن إلى الصبي وقطع عنه، وضعه في الحجر ونحوه، فأما الحضانة بالتفسير (٣) الذي تذكره من بعد، فلا خلاف في جواز قطعه عن الإرضاع.


(١) في ط المحض.
(٢) في أببيان.
(٣) في ط بالمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>