الأصح: المنع (١)؛ لأن المنفعة مستحقة في عينه، والعين لا تقبل شرط التأجيل والتأخير، وإن استأجر أرضاً للزراعة وجب أن تكون الزراعة فيها متيسرة.
والأراضي أنواع: منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها.
ومنها: أرض لا ماء لها ولكن يكفيها المطر المعتاد، والنَّداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة، كبعض أراضي الجبال أوْ لا يكفيها ذلك، ولكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل، والغالب فيها الحصول.
ومنها: أرض لا ماء لها، ولا تكفيها الأمطار المعتادة، ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل، ولكن إن أصابها مطر عظيم أَوْ سيل نادر أمكن أن تنزرع.
فالنوع الأول يجوز استئجاره، لثالث لا يجوز؛ لأنها منفعة غير مقدور عليها، وإمكان الحصول غير كافٍ كإمكان عود الأبق ورد المغصوب. وفي النوع الثاني وجهان:
أحدهما: وبه قال القفَّال: أنه لا يجوز استئجاره؛ لأن السقي معجوز عنه في الحال، والماء المتوقع لا يعرف حصوله، وبتقدير حصوله لا يعرف أنه هل يحصل في الوقت تمكن الزراعة فيه؟
والثاني: أنه يجوز، ويحكي عن القاضي الحُسَيْن؛ لأن الظاهر حصول المقصود، والتمكن الظاهر كافٍ، أَلاَ تَرىَ أن انقطاع ماء النهر والعين ممكن أيضاً، لكن لمّا كان الظاهر فيه الحصول كفى لصحة العقد، وهذا أقوى الوجهين، وبه أجاب القاضي ابْنُ
(١) يستثنى من عدم صحة إجارة المغصوب إجارته من غاصبه، فإنه يصح. وقال الشيخ الإمام السبكي: بيع المغصوب من الغاصب جائز، وكذا من غيره إذا قدر على انتزاعه في الأصح وقياسة في الإجارة مثله إذا لم تتأخر المنفعة عن العقد. قال الزركشي: رأيت القاضي حسين صرح به في باب النهي عن بيع الغرر من تعليقه وصاحب التتمة في باب الغصب فقال: أن أجره لمن لا يقدر على انتزاعه فحكمه حكم المشتري إذا أجر البيع قبل القبض. وقضية ذلك عدم الصحة لأن الأصح عدم صحة إجارة المبيع قبل القبض، ويؤخذ من قول المصنف رحمه الله أن تكون المنفعة مقدوراً على تسليمها أنه لا يجوز إجارة العين المنذور إعتاقه، وكذا من شرط عتقه على المشتري ويؤخذ منه إجارة المؤجر، وقد ذكر المصنف رحمه الله فيما بعد، وأما المقطع فأفتى الشيخ بصحة إجارته وقال لأنه يستحق منفعتها. ولا يمنع من ذلك كونها معرضة لأن يستردها السلطان منه بموته أو غيره كما لا يجوز للزوجه أن تؤجر الأرض التي هي صداقها قبل الدخول وإن كانت معرضة لأن يستردها منها بانفساخ النكاح، وخالف الشيخ تاج الدين الفزاري وولده وابن الزملكاني وغيرهم من الشاميين فأفتوا بالبطلان بناءً على أن المقطع لم يملك المنفعة وإنما أبيح له الانتفاع بها كالمستعير، وفصل السبكي رحمه الله بين أن يأذن له الإمام في الإجارة أم يجري عرف عام فيصح حينئذٍ كما يجوز إيجاز الموقوف عليه لها إن كان ناظراً أو يأذن الناظر له وإلا فيمتنع.