كَجٍّ وصاحب "المهذّب" وغيرهما، وإنما أضاف صاحب الكتاب الأول إلى النص؛ لأنه قال في "المختصر": وأن يُكَاري الأرض البيت التي لا ماء لها، وأنما تسقى بنُطَفِ من السماء أو بسيل إن جاء فلا يصح.
وظاهره يشمل النوع الثاني والثالث لأن كليهما يسقى بماء السماء، لكن من قال بالوجه الثاني حمل النص على النوع الثالث وقد يشعر به قوله:"أو بسيل إن جاء".
والنَّطف: القطر يقال: نطف ينطف نطفاً وكلل قاطر ناطف. ومنها: أرض على شَطِّ النيل أو الفرات أو غيرهما يعلو الماء عليها، ثم ينحسر، ويكفي ذلك لزراعتها السَّنة، فهذا استأجرها للزراعة بعد ما علاها الماء وانحسر صح، وإن كان قبل أن يعلو الماء عليها، فإن لم يوثق به كالنيل لا ينضبط أمره، لا يصح إن كان الغالب حصوله، فليكن على الخلاف في استئجار النوع الثاني من الأراضي، وإن كان موثوقاً به كالمد "بالصبرة" صح كماء النهر، وإن كان يتردد في وصول المد إلى تلك الأراضي، فهي كأرض من الأراضي ليست لها ماء معلوم، وإن كان قد علاها الماء ولم ينحسر، فإن كان لا يُرْجى إنحساره لم يجز استئجارها، وكذا لو كان يتردد فيه؛ لأن العجز يقين وزواله مشكوك فيه، وإن كان يرجى إنحساره وقت الزراعة بالعادة، فالنص صحته.
قال الأصحاب: فيه وجهان من الإشكال:
أحدهما: أن شرط الإجارة التمكن من الانتفاع عقب العقد، والماء مانع منه.
والثاني: أنه يمنع رؤية الأرض، فيكون إجارة الغائب.
وأجيب عن الأول بوجهين:
أحدهما: أن موضع النص إذا كان الاستئجار لزراعة ما تمكن زراعته في الماء كالأرز، فإن كان غير ذلك لم يصح الاستئجار، حكاه الشيخ أبو حامد عن بعضهم.
واصحهما: أنه لا فرق بين مزروع ومزروع ولكن الماء فيها من مصالح العمارة والزراعة، فكان إبقاؤه فيها ضرباً من العمارة، وأيضاً فإن صرف الماء يفتح موضع ينصب إليه، أو حفر بئر ممكن في الحال، وحينئذ يكون متمكناً من الاستعمال بالعمارة بهذه الوسائط، فاشبه ما إذا استأجر داراً مشحونة بأمتعة يمكن الاستعمال بنقلها في الحال، فإنه يجوز إلاَّ أن الشيخ أَبا مُحَمَّدٍ حكى وجهاً في منع إجارة الدار المشحونة بالأمتعة بخلاف بيعها، والأظهر الأول.
وأما الثاني فمنهم من قال: التصوير فيما إذا كان قد رأى الأرض قبل حصول الماء فيها، أو كان الماء صافياً لا يمنع رؤية وجه الأرض، وإن لم يكن كذلك، فعلى قولي شراء الغائب، ومنهم من قطع بالصحة.