للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجِرَاحَاتِ لاَ تَنْضَبِطُ بِخِلاَفِ الحَمْلِ، وَهَذَا الخِلاَفُ جَارٍ في الجَلاَّدِ إِذَا زَادَ وَاحِداً عَلَى المِائَةِ أنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ أَوْ بِحِسَابِهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قدْ مرَّ أن المستأجر لا يضمَنُ، إذا لم يوجَدْ منه تُعَدٍّ، فإن وُجِدَ، وجبَ الضَّمَانُ، وذلك كما إذا ضرب الدَّابة، أو كَبَحَها (١) باللِّجَام فوق العادة، وعادةُ الضَّرْب تختلف في حقِّ الراكب، والرائضِ، والراعِي، فكلُّ يراعى عادة أمْثَاله، ويحتمل من الأجير للرياضة والرعْي ما لا يُحْتَمل من المستأجر للركوب.

وأما الضَّرْب المعتادُ، إذا أفضى إلى تَلَفٍ، فإنه لا يوجِبُ ضماناً؛ خلافاً لأبي حنيفةَ، ويخالِفُ ضَرْبَ الزوج زوجته؛ لأنه يمكن تأديب الآدمِيِّ بغير الضَّرْب (٢)، وإذا نام بالليل في الثوب الذي استأجره، أو نَقَل فيه التُّرَاب أو أَلْبَسَهُ عَصَّاراً، أو دَبَّاغاً دون من هو في مِثْل حالِهِ، أو أسكن الدَّارَ قصَّاراً أو حدَّاداً دون مَنْ هُوَ في مثْل حاله، وجب الضمان، وكذا لو أَرْكَب الدابَّة مَنْ هو أثقلُ منْه وقرار الضمان على الثاني إن كان عالماً، وإلاّ فعلى الأول، وإن أركبها مثله، فجاوز العادة في الضرب، فالضمان على الثاني دون الأول؛ لأنه لم يتعد.

ولو اكترى لحمل مائة رطل حديد، فحمل مائة من القطن أو التبن أو بالعكس ضمن، وكذا لو اكترى لحمل مائة مَنٍّ من الحنطة، فحمل مائة مَنٍّ من الشعير ضمن أو بالعكس؛ لأن الشعير أخف فمأخذ من ظهر الدابة أكثر، والحنطةُ أثقلُ، فيحتمل ثقلُها على الموضِعِ الوَاحِد. ولو اكتَرى لحمل عشرة أَفْقِرَةٍ (٣) من الحنطة، فحمَلَ عشرةً من الشَّعير، لم يضمن؛ لأنَّ المقدارَيْن في الحِجْم سواءٌ، والشعير أخفُّ، وبالعكس يضمن لزيادةٍ ثقَل الحنْطة. ولو اكترَى ليركب بسَرْج، فركب بلا سرج أو بالعكْس، ضمن، أمَّا الأول، فلأنه أضرَّ بالدابة.

وأما الثاني فلأنه حملها فوق المَشْروط.

ولو اكترَى ليحمل عليها بالإكاف، فحمل بالسِّرج، ضمنه؛ لأنه أشقُّ على الدابة وبالعكس لا يضمن إلا أن يكُون أثقل، ولو اكترى ليركب بالسرج، فركب بالإكاف


(١) بموحدة وبمهملة، ويقال بميم بدل الموحدة، ويقال بمثناة فوقية بدل الموحدة أيضاً، والمعنى أن المستأجر جذبها باللجام لتقف.
(٢) كاللفظ مثلاً، وعلى تقدير الظن بأنه لا يفيد إلا العزب فهو اجتهاد فأكتفى به لإباحة دون سقوط الضمان.
(٣) جمع قفيز وهو مكيال يسع اثني عشر صاعاً. وهذا المكيال يختلف تقديره، ويعادل بالتقدير المصري الحديث نحو ستة عشر كيلو جراماً. ينظر: المعجم الوسيط ٢/ ٧٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>