للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يضْمَنْ عند عدم الانفرادُ؛ لأنَّهُ ضامِنٌ الخيانة، وإن لم يحمل المكتري الطعام بنفسه، ولكنَّه بعْدَ ما كَالَ سلَّمة إلى المكرى حتَّى حمَلَه على البهيمة، نُظِر؛ إن كان المكْرِى جَاهِلاً بالحالِ؛ بأن لُبِّسَ عليه، وقال: إنَّه عشَرةٌ كاذباً؛ ففيه طريقان:

أحدهما: أنه على القولَيْن في تعارُض المباشَرَة والغرور.

وإن اعتبرت المباشرة، فالحكْمُ عَلَى ما سنذكره في الحالة الثانية إن شاء الله تعالى وإن اعتبرنا التغرير، فكَمَا لوْ حمله المكْتَرِى بنَفْسِه.

وثانيهما: القَطْعُ بأنَّه، كما لو حمله بنَفْسِه؛ لأنَّ إعداد المحمول وشدَّ الأعدال وتسليمها إلَيْه بعْد عقْد الإجارة كالإلجاء إلى الحَمْل شَرْعاً، فكان كشهادة شُهُود القصاص، وسواءٌ ثبت الخلاف أم لا، فالظاهر وُجوب الضمانِ، وبه أجابَ صاحبُ الكِتَاب، وإنْ كان المكْرِي عالماً بالزِّيادة، نُظِرَ، إن لم يقل المكتري شيْئاً، لكن حمله المكْرِي، فالحكمُ كما سنذكره في الحالة الثانية؛ لأنه حمْلٌ بغير إذن صاحبه، ولا فرْقَ بين أن يضعه المكتري علَى الأَرْض، فيحمله المكْري على البهيمة، وبيْنَ أن يضَعَه على ظَهْر الدابَّة، وهي واقفة، فيسيرها المكري، وإنْ قال المكْتَرِي: احْمِلْ هذه الزيادةَ، فأجابه.

قال في "التتمة": هو مستعيرٌ للدابة في الزيادةَ، فلا أجرة لها، وإذا تلِفَتِ البهيمةُ بالحَمْل، فعليه الضمان؛ لأنَّ ضمانَ العارية لا تجِبُ باليد، وإنما تجب بالارْتفاق، والانتفاع، فزيادةُ الارتفاق بالمالك لا يوجِبُ سقوط الضَّمَان، وفي كلامِ الأئمَّة ما ينازع ما ذكره في الأجْرَة والضمان جميعاً.

الحالة الثانية: إذا كان المكْرَي وحمل على البهيمة، فلا أجرة له لِمَا زاد، سواءٌ كان غالِطاً أو عامداً، وسواءٌ كان المكتَرِي جاهلاً بالزِّيادة، أو عالماً بالزيادة، وسكت؛ لأنه لم يأذَنْ في نقل الزيادة، ولا يجبُ عَليْه ضمانُ البهيمة، وله مطالبة المكري بردِّها إلى الموضع المنقول منه، وليس للمكري أن يردَّها بدون رضا المكتري، ولو لم يعلم المكتري حتى عاد إلى البلد المنقول منه، فله أن يطالب بردِّها وأصح القولين أو الوجهين أن له المطالبةَ ببَدَلِها في الحال، كما لو أَبق العبد المغصوب من يد الغاصب.

والثَّاني: لا يطالب ببَدَلِها في الحال لأن عَيْنَ ماله باقٍ وردُّها (١) مقدور علَيْه.

وإذا قلنا بالأول وغرم البَدَل، فإذا رَدَّها إلَى ذلك البلد (٢)، استردَّ البدل، ورد ماله إليه، ولو كَالَ المكْرِي وتولَّى المكتري النَّقْل والحَمْل على البهيمة.


(١) في ز: وردة.
(٢) في د: تلك البلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>