للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض الأصحاب: يجيء على قوله القديم وجه آخر، أنه يجب عليه الكفارة أيضاً.

الضرب الثاني: من الاستمتاع غير الجماع، وهو ضربان:

أحدهما: الاستمتاع بما بين السُّرَّةِ والرُّكبة، وهو المراد بما تحت الإِزَارِ، فهل يحرم في الحيض؟ فيه ثلاثة أوجه:

أظهرها: نعم، وَيُحْكَى ذلك عن نَصِّه في الأم؛ لظاهر قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (١) وعن معاذ قال: "سَألْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضُ فَقَالَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ" (٢)؛ ولأن الاستمتاع بما تحت الإزار يدعو إلى الاستمتاع بالفرج قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوقِعَهُ" (٣)، فوجب أن يمنع منه، وبهذا قال أبو حنيفة.

والثاني: أنه لا يحرم به قال أبو إسحاق وهو مذهب أحمد لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ الجِمَاعَ" (٤)؛ ولأن الجماع في الفرج، إنما يحرم بسبب الأذى فلا يحرم الاسْتِمْتَاع بما حواليه كالموضع المَكْرُوهِ.

والثالث: أنه إنْ أَمِنَ على نفسه التَّعَدِّي إلى الفرج -لورع أو قلة شهوة- لم يحرم، وإلاً حرم، ويروى هذا عن أبي الفياض.

ونقل بعضهم في المسألة قولين، وقالوا: الجديد، التحريم، والقديم: الإباحة. (الضرب الثالث): الاستمتاع بما فوق السُّرة وتحت الركبة كالتَّقْبيل والمُضَاجعة، وهو جائز؛ لما روينا من حديث معاذ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فِي الْخَمِيلَةِ فَحِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فَقَالَ: أنُفِسْتِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: خُذِي ثِيَابَ حَيْضَتِكِ وَعُودِي إِلَى مَضْجَعَكِ وَنَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلَ مِنِ امْرَأَتِهِ إلاَّ تَحْتَ


(١) سورة البقرة، الآية ٢٢٢.
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٣) وقال: وليس بالقوي، وفي إسناده بقية عن سعيد بن عبد الله الأغطش، ورواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن عبد الله الخزاعي، فإن كان هو الأغطش فقد توبع بقية، وبقيت جهالة حال سعيد فإنا لا نعرف أحداً وثقه، وأيضاً فعبد الرحمن بن عائذ رواية عن معاذ، قال أبو حاتم: روايته عن علي مرسلة، فإذا كان كذلك فعن معاذ أشد إرسالاً، وفي الباب عن حرام بن حكيم عن عمه: أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار، رواه أبو داود. انظر التلخيص (١/ ١٦٦).
(٣) أخرجه البخاري (٥٢ - ٢٠٥١) ومسلم (١٥٩٩) وأبو داود (٣٣٢٩) والترمذي (١٢١٨) والنسائي (٧/ ٢٤١) وابن ماجة (٢٩٨٤).
(٤) أخرجه مسلم من رواية أنس -رضي الله عنه- (٣٠٢) وأبو داود (٢١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>