للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: الاسْتِحَاضَةُ قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمي الحيض والنِّفَاس، سواء كان مُتَّصِلاً بدم الحَيْضِ كالمجاوز لأكثر الحيض، أو لم يكن مُتَّصِلاً به كالَّذي تراه المرأة قبل تسع سنين. وقد يعبر بها عن الدم المتَّصل بدم الحيض وحده، وبهذا المعنى تنوع المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة ثم إلى مميزة وغيرها، ويسمى ما عدا ذلك دم فساد، لكن الأحكام الذكورة في جميع ذلك لا تختلف، والدم الخارج حدث دائم كَسَلَسِ البول والمذي، فلا يمنع الصوم والصَّلاَة؛ للأخبار التي نرويها في المُسْتَحَاضَاتِ، ولذلك يجوز للزوج (١) وطؤها وإنما أثر الأحداث الدائمة الاحتياط في إزالة النَّجاسة وفي الطَّهارة، فتغسل المستحاضة فَرْجَها قبل الوضوء أو التّيمم إن كانت تتيمم، وتحشوه بِقُطْنٍ أَوْ خِرْقَةٍ دَفعاً لِلنَّجَاسَةَ وتقليلاً لها.

فإن كان الدم قليلاً يندفع به فذاك وإلاَّ شدَّت مع ذلك وتلجمَّت، بأن تشد على وسطها خِرْقَةً كالتِّكة (٢)، وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين، وتجعل إحداهما قُدَّامها، والأخرى من ورائها، وتشدُّها بتلك الخرقة. وذلك كله واجب إلا في موضعين:

أحدهما: أن تتأذَّى بالشدِّ ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضَّرر.

والثاني: أن تكون صائمة فتترك الحَشْوَ نهاراً وتقتصر على الشدِّ. وسلس البول أيضاً يدخل قُطْنَةً في إِحْلِيلِهِ، فإن انقطع وإلا عصب مع ذلك رأس الذَّكَرِ بخرقة. ثم تتوضَّأُ المستحاضة بعد الاحتياط الذي ذكرناه، ويلزمها الوضوء لكل فريضة، ولا تصلِّ فريضتين بطَّهارة واحدة، لقوله -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت أبي حبيش: "تَوَضَّأي لِكُلِّ صَلاَةٍ" (٣) ولا بد أن تكون طهارتها لِلصَّلاة بعد دخول وقتها، كما ذكرنا في التَّيمم. وحكى الشيخ أبو محمد وَجْهاً، أنه يجوز أن تَقَعَ طهارتها قبل الوقت بحيث ينطبق آخرها على أول الوقت وتصل به الصَّلاة والمذهب الأول، وينبغي أن تبادر إلى الصلاة عُقَيْب احتياطها وطهارتها، فلو أخرت بأن توضأت في أول الوقت، وصلت في آخره أو بعد خروج الوقت، نُظِر إن كان التَّأخر للاشتغال بسبب من أسباب الصَّلاَة، كستر العورة والاجتهاد في القِبْلَةِ والأذان والإقامة، وانتظار الجماعة والجمعة ونحوها فيجوز، وإلا فثلاثة أوجه:

أصحها: المنع؛ لأن الحدث متكرر عليها وهي مستغنية عن احتمال ذلك قادرة على المبادرة.


(١) سقط في (ط).
(٢) التكة: رباط السراويل، انظر المعجم الوسيط ١/ ٨٦.
(٣) أخرجه البخاري (٥٢ - ٢٠٥١) ومسلم (١٥٩٩) وأبو داود (٣٣٢٩) والترمذي (١٢١٨) وابن ماجة (٩٨٤) والنسائي (٧/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>