للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأظهرهُمَا: وبه قال أبو إِسْحَاقَ أنَّه لا يُزْعَج؛ لأنَّهُ أحدُ المرتفقين، وقد ثبتَتْ له اليدُ بالسَّبْق، فلا تزال.

وأيضاً فقد رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقَهُ إِلَيْهِ مُسْلِم، فَهُوَ لَهُ" (١).

أمَّا الرِّباطاتُ الموقُوفةُ، فإنْ عَيّن الوَاقِفُ مُدَّةَ المكْثِ فيها، فلا يزيد، وكذا لو وقَفَ على المُسَافِرِين، فلا يمكث مدَّة تزيد عَلَى مدة مُكْثِ المسافرين، وإنْ أَطْلَقَ الواقف، نُظِرَ إلَى الغرضِ الذي بنيت البقعة لَهُ، وعمل بالمعتاد فيه، فلا يُمَكَّنُ من الإقامةِ في رباطات المَارَّة، إلاَّ لمصْلَحتها، أو لخوْفٍ يعرض، أو لأمطارٍ تتواتَرُ، وفي المدرسةِ الموقوفة عَلَى طلبةِ العلم، يمكَّن من الإقامة إلى استتمام غَرَضه، فإنْ ترك التَّعلُّمَ والتحصيلَ أزعج، وفي الخَانقاهات لا يمكَّن، هذا الضبطُ، ففي الازعاج، إذا طال المُكْث، ما سَبَق في الشَّوارع والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: أَمَّا المَعَادِنُ فَظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ (أَمَّا الظَّاهِرَةُ): فَالمِلْحُ وَالنِّفْطُ وَأَحْجَارُ الرَّحَا وَالرُّخَامُ وَالبُرْمَةُ وَكُلُّ مَا لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى طَلَبَ فلاَ يَخْتَصّ بِهِ أَحَدٌ إلاَّ بِإِحْيَاءٍ وَتَحْوِيطٍ حَوْلَهُ وَلاَ يَخْتَصُّ بِتَحْجِير وَلاَ بِإقْطَاعِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ كَالميَاهِ الجَارِيَةِ، وَالسَّابِقُ إِلَى مَوْضِع لاَ يُزْعَجُ قَبْلَ قَضَاءِ وَطَرِهِ، فَإِنْ تَسَابَقَ رَجُلاَنِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا (و) وَيقَدِّمُ القَاضِي مَنْ رَآهُ أَحْوَجَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: البابُ الثَّالثُ: في الأعيان الخارجةُ في الأرض، وفيه فصلان:

الفصلُ الأوَّلُ: في المعادن، وهي البقَاعُ الَّتي أوْدَعَهَا الله تعَالَى شيئاً من الجواهرِ المطْلُوبةِ -وتنقسِمُ إلَى ظاهرةٍ، وباطنةٍ:

فالظاهرةُ: هي التي يبدو جوهرها من غَيْر عَمَلٍ، وإنَّما السَّعْيُ والعملُ لتحْصِيله، ثم تحصيُلُه قد يَسْهُل، وقد يَلْحَقَ فيه تَعْبٌ، وذلك كالنِّفْطِ وأحجارِ الرَّحَى والبُرْمة (٢) وَالكِبْرِيت، والقِطِران والقَارِ (٣) والمُوميَاء (٤) وأشبَاهها، فلا يملكُها أَحدٌ بالإحياء والعِمارة، وإن ازداد النَّيْل (٥)، ولا يختصّ بها التحجُّر، وليْسَ للسلطانِ إقطاعُها بلْ هو


(١) أخرجه أبو داود من حديث أسمر بن مضرس، قال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث وقال الحافظ في التلخيص: وصححه الضياء في المختارة.
(٢) مجر يعمل في القدر.
(٣) هو الزفت.
(٤) بضم الميم الأولى وبالمد وحكى القصر: شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد فيه فيصير كالقار وقيل: إنه أحجار سوداء باليمن خفيفة فيها تجويف، وأما الذي تؤخذ من عظام المولى في نجسة.
(٥) في د: السبك.

<<  <  ج: ص:  >  >>