للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوضى بين الناس كالمياهِ الجارية، والكلأ والحطب وقد رُوِيَ أنْ أَبْيَضَ بن حمال المازني اسْتَقْطَعَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِلْحَ مَأْرِب، فأراد أن يُقْطِعَهُ، وُيرْوَى فأقطعه فَقِيلَ: إنَّه كالمَاء العد (١) قال: فلا، إذن (٢).

ولو حوط على بعض هذه المعادن محوطاً واتخذ علَيْه داراً أو بستاناً. لم يملك البقعة لفساد قصده، فإن المعدن لا يتخذ مسكناً ولا بستاناً، وأشار في الوسيط إلى خلاف فيه ولو ازدَحَمَ اثنان عَلَى معدن ظاهر، فضاق المكانُ، فالسابقُ أَوْلَى وبأيِّ قدر يَسْتَحِقُّ التمكن والتقديم؟ عبارة كثرهم أنَّه يتقدَّمُ بأخذ قدْر الحَاجَة، ولمْ يبيِّنوا أنَّ المرعى حاجةِ يَوْمٍ أو سَنَةٍ، ولما لم يشْف (٣) ذلك، قال الإمامُ: الرُّجوعُ فيه إلى العُرْف، فَيأخذ ما تقتضيه العادةُ لأمثاله، وإذا أراد الزِّيَادَةَ عَلَى ما يقتضيه حقُّ السَّبقِ، فوجهان:

أحَدُهُمَا: لا يزعج أو يأخُذُ بحقِّ السبق، ما شاء، لما رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ".

وأظْهَرُهُمَا: الإزْعَاج؛ فإنَّ عكوفَه عَلَيْه كالتحجُّر، والتحْوِيط المانع للغَيْر، هكذا ذكَرُوه مع جعْلِهم الأظْهَرَ في مَقاعد الأسواق؛ أنَّه لا يزعج، ويمْكِنَهُ أن يفرق بينهما لشدة الحاجاتِ إلَى نيل المعادن، وإنْ جاءَا معاً، ففيه ثلاثةُ أوْجُهٍ:

أَظْهَرُهُمَا: أنَّهُ يُقْرعُ بينهما.

والثَّاني: أنَّ الإمامَ يَجْتَهِدُ، وُيقَدِّمُ من يراه أحْوَجَ وأحقَّ.

والثَّالِثُ: أنَّه ينصب مَنْ يُقْسِم الحاصلَ بينهما.

ووضع العراقيُّون من الأصحاب الوجُودَ فيما إذا كانا يأْخُذان للحاجَةِ لا للتجارة، فإن كانا يأخُذَان للتجارة، قالوا: يهايأ بينهما فيه، فإنْ تَشَاحَّا في السَّبْق أُقْرع، وكان الفَرْقُ أنَّ التاجرَ لغرض التجارة أليق والأشْهَر (٤) إطلاقُ الأوجه، ويُشْبه على قياس ما


(١) قال الحافظ في التلخيص: العد بكسر العين المهملة الدائم الذي لا انقطاع لمادته، وجمعه أعداد، وقيل العد: ما يجمع ويعد، ورده الأزهري ورجح الأول، وما رب غير مهموز على وزن ضارب موضع بصنعاء. (فائدة) الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك هو الأقرع بن حابس، جينه الدارقطني في روايته.
(٢) رواه الشَّافعي عن ابن عيينة عن معمر عن رجل من أهل مارب عن أبيه: أن الأبيض ابن حمال سأل، فذكره سواء، ورواه أصحاب السنن الأربعة أبو داود (٣٠٦٤)، الترمذي (١٣٨٠)، النسائي وابن ماجه (٢٤٧٥) من طريق محمد بن يحيى بن قيس المازني عن أبيه عن سمي بن قيس عن شمير عن أبيض، وصححه ابن حبان قال الحافظ في التلخيص: وضعفه ابن القطان.
(٣) في د: فلما كشف.
(٤) في ب: الأظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>