للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلَمَّا استَجْمَعَها، قال: يا رَسُولَ اللهِ -أصبْتُ مالاً لم أُصِبْ مثلَه قطُّ. وقد أردت أن أتقرَّب به إلى الله -تَعالى- فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "حَبِّسْ الأَصْلَ وَسَيِّلِ الثَّمَرَةَ".

وُيرْوى: "فجعلها عمر -رضي الله عنه- صدَقَةً لاَ تُبَاعُ، ولا تُورَثُ، ولا تُوهَبُ" (١) وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ، انْقطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له أو عِلْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أو صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ" (٢).

وحمل العلماءُ الصَدقةَ الجَارِية على الوقْفُ، واشتهر اتِّفَاقُ الصحابة على الوَقْفِ قَوْلاً وفِعْلاً. وُيرْوَى عن أبي حنيفةَ إنكارُ الوَقْف (٣)، غَيْرَ أنَّ الأكثرين استَنْكَرُوه، وردُّوا قوله إِلى أَنَّ الوقف بمجرَّده لا يلزم على ما سنحكيه من بعدُ إن شاء الله ثم إن صاحب الكتاب -رحمه الله تعالى- أَودع على عَادِتِه مَسَائِلَ الوَقْفِ في بَابَيْنِ:

أحدهما: في بيانِ ما يُعْتَبَرُ لصحَّته.

والثاني: في أحكامِهِ، إذا صحَّ.

وما يعتبر في الصِّحَّة ينقسِمُ في الاصطلاح المشْهُورِ إلى أَركانٍ وشرائطَ.

والبابُ الأوَّلُ مشتملٌ على الضَّرْبَيْن، فقوله: "في أَركَانِهِ ومُصَحِّحَاتِهِ" كأنه عَنَى بالمصحِّحات الشُّرُوطَ، وهو اصطلاحُ أهْلِ الأَصُول، ثم أركانُ الوَقْف على قياسِ مَا ذكَره في سائر العُقُود هي الواقِفُ، والمَوْقُوفُ، والمَوْقُوفُ علَيْه، وصيغةُ الوَقْفِ.

أمَّا الواقِفُ، فيجب أن يكونَ صَحِيحَ العبارة، أهْلاً للتبرُّع (٤)، ولم يُفْرِدْه بالذِّكْرَ لوضوح حاله. أمَّا الموقُفُ، ففيه مسائلُ:


(١) رواه الشَّافعي (١٣٧٩) عن سفيان عن العمري عن نافع عن ابن عمر به، ورواه في القديم عن رجل عن ابن عون عن نافع باللفظ الثاني وقال الحافظ في التلخيص: وهو متفق عليه رواه البخاري (٢٧٣٧، ٢٧٦٤، ٢٧٧٢) ومسلم (١٦٣٢) من حديثه، وله طريق عندهما غيره.
قال الحافظ في التلخيص: الرجل الذي أبهمه الشَّافعي هو عمر بن حبيب القاضي، بينه البيهقي في المعرفة من طريقه في هذا الحديث.
(٢) رواه مسلم (١٦٣١) من حديث أبي هريرة وقال الحافظ في التلخيص: وقال فيه: أو، أو، وله وللنسائي. وابن ماجه، وابن حبان من طريق أبي قتادة: "خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري ييلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده".
(٣) في ز: أن الوقف لا يصح.
(٤) شمل إطلاقه الإمام إذا وقف أرضاً من بيت المال على جهة عامة كالمساجد والقناطر أو شخص أو أشخاص معينين من أهل العلم والدين وعلى أعقابهم إذا رأى ذلك، وأفتى جماعة من الأئمة وغيرهم بجوازه وأنه لا يجوز لأحد تغييره كأبي بكر الشاشي وابن برهان تلميذ الغزالي وأسعد الميهني والكمال بن يونس وابن القطب النيسابوري وابن الصلاح والشيخ المصدق وقال الشيخ ابن الرفعة في باب الفي أن الذي يحكي عن صحته لأنه لو رأى تمليك ذلك للمرهون ملكاً =

<<  <  ج: ص:  >  >>