للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثالثة: في وقْف الإنْسان عَلَى نَفْسه وجهان:

أصحُّهما: ويُحْكَى عن نصه: المنع؛ لأنَّ الوَقْفَ تمليكُ المنفعةِ وحْدَها، أو مع الرقبة، والإنسان لا يَمْلِكُ نَفْسَه (١).

والثاني: وبه قال أحمدُ وأبو عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ أنه جائزٌ؛ لأن استحقاقَ الشيْءِ وقْفاً غيرُ استحقاقه مِلْكاً، وقد يقصد مَنْعَ نفسه من التصرُّف المزيلِ للمِلْك، وينسب هذا الوجه إلى ابنِ سُرَيْج أيضاً.

وحكى القاضي ابْنُ كجٍّ عنه أنَّه يصحُّ الوقف، ويلغو الشرط، وإضافته إلى نفْسِه، وهذا بناءٌ على أنه لو اقتَصَرَ عَلَى قوله: "وقفتُ"، صحَّ الوقف.

وينبغي أن يطرد في الوقْف عَلَى من لا يجوز مطلقاً.

ولو وقف على الفقراء، وشرط أن تقضي من ريع الوقْفِ زكاتُهُ وديونُهُ، فهذا وقْفٌ على نفْسِهِ وغيره، ففيه الخلافُ، وكذلك لو شَرَط أنَّ يأكل من ثماره، أو ينتفع به، وقدْ يوجه الجواز بأنَّه عثمانَ -رضِيَ الله عنه- وَقَفَ بِئْرَ رُومَة (٢)، وقَالَ: دَلْوِي فِيهَا


(١) ذكر بعضهم حيلاً في الوقف على النفس إذ يقف على أولاد أبيه الدين صفتهم كذا، ويكون ذلك الوصف منحصراً فيه.
ذكره ابن يونس في شرح التنبيه وابن عمه في رفع التمويه، وتبعهما الشيخ ابن الرفعة وكان يفتي به وعمل به، فإنه وقف وقفاً على أفقه أولاد أبيه وبقي هو يتناوله كذا حكاه عنه في الخادم وذكر أن بعض المتأخرين نازعه في الكل إلى آخر ما ذكره، وابن يونس ليس منفرداً بذلك، بل هو تابع للشيخ أبي علي الفارقي كما حكاه الأذرعي وتبعه الزركشي.
ومنها: أن يحكم حاكم بصحته كحنفي أو حنبلي كما صرح بذلك الشيخ أبو محمد والشيخ أبو حاتم القزويني.
ومنها: أن يؤجر ما يريد وقفه مدة يظن أنه لا يعيش بعدها بأجرة منجمة ثم يقفه بعد على من يريد، فإنه يصح الوقف وتصرف الغلة بعد إنقضاء مدة الإجارة إلى جهة الوقف، أفتى به الشيخ ابن الصلاح وفي عدِّ هذه نظر.
ومنها: أن يهبها لغيره ويقبضه إياها أو يبيعها عليه بثمن ما ثمّ يسأله أن يقفها عليه وعلى من شاء بعده ولا يخفى ما في هذه من الخطر بأن لا يفي وإن وفي له فالصدقة للواقف.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: قال أبو عبيد البكري: رومة كانت ركية لليهودي اسمه رومة فنسبت إليه، وزعم ابن مندة أنه صحابي، وقد وهم كما بينته في معرفة الصحابة، واختلف في مقدار الثمن ففي الطبراني أنه عشرون ألف درهم، وعند أبي نعيم أنه اشترى النصف الأول باثني عشر ألفًا، والثاني بسبعمائة، وفي تاريخ المدينة لابن زبالة أنه اشترى النصف الأول بمائة بكرة، والثاني بشيء يسير، وقيل اشتراها بخمسة وثلاثين ألفاً، حكاه الحازمي في المؤتلف، ورواه الطبراني أيضاً، وقيل بأربعمانة دينار حكاه ابن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>