للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّرِيقِ فَبَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لاَ قُرْبَةَ وَلاَ مَعْصِيَةَ كَالوَقْفِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ أَوْ عَلَى المَسَاكِينِ مِنَ الكُفَّارِ وَالفُسَّاقِ فَفِيهِ خِلاَفٌ (و).

قَالَ الرَّافِعِيُّ:

القُسْمُ الثَّانِي: إذا كان الوقْفُ عَلى غير معيَّن؛ كالوقف على الفقراء، والمساكين، وهذا يسمى الوقْف على الجهة؛ لأنَّ الواقفَ يَنْظُرُ إلَى جهة الفقر والمسْكَنَة، ويقصد سد خلة قوم موصوفين بهذه الصِّفَة لا شخصاً بعَيْنه، فيُنْظَرُ في الجهة, أهي معصيةٌ أم لا؟

إن كانت الجهة جهة معصيةٍ؛ كالوقْف لعمارة البَيْعِ والكنائِسِ ولقناديلها وحصْرِها, لم يصحَّ؛ لما فيه من الإعَانَة على المعصية (١)، وكذا لو وقف لكتابةِ التَّوْرَاة والإنْجيل؛ لأنَّهم بدَّلوا وحرَّفوا، والاشتغال بكتابتها غيرُ جائز، ولا فرْقَ بيْن أن يصدر هذا الوقْفُ من مسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ، فنبطله إذا ترافَعُوا إلينا.

أمَّا ما وقَفُوه قبل المبْعَثَ على كنائِسِهِمُ القديمة فنقرّه حيث نقرّ الكنائس، وإن لم تكن الجهةُ جهةَ معصيةٍ، نُظِرَ؛ إنَّ كان يظهر فيها قصْدُ القُرْبة؛ كالوقْف على المساكين، [وفي سبيل الله والعُلَماء والمتعلِّمين، وعلى المَسَاجد] والمدارس والرِّبَاطَات والقناطِرِ، صحَّ الوَقْفُ، وعلى هذا النَّحوِ جرتْ أوقافُ الصحابة -رضي الله عنهم- وإن لم يظهر قصدُ القُرْبة، [كالوقف على الأغنياء، ففيه وجهان، مبنيان على أن المرعيَّ في الوقْف على الموصُوفين جهة القُرْبة] (٢) أو التَّمْليك؟

وتحقيقهُ أن الوَقْفَ على المعيَّنين يُسْلَك به مَسْلَكُ التمليكات؛ ولذلك يجوز عَلَى من يجوز تمليكه، ثم قد يقصد الواقفُ التقرُّبَ به إلى الله تعالى؛ كالصدقة. وأمَّا الوقفُ على منْ لا يتعيَّن، فحكاية الإمامُ عن المعْظَم أنَّ المرعيَّ منه طريق القربة دُونَ التَّمْليك، ولهذا لا يجبُ استيعابُ المَسَاكِين، بل يجوزُ الاقتصار، على ثلاثةٍ منهم.

وعن القفَّال أنَّ المرعى فيه ظهورُ طريق التمليك، كما في الوصيَّة، والوقْفُ على المعيَّن، وهذا ما اختاره الإمامُ وشَيْخُهُ، وطرق أصحابنا العراقيين تُوَافِقُهُ حتَّى أنَّهم ذكَرُوا أنَّ الوقْفَ على المساجد والرِّباطات تمليكٌ للمُسْلِمِين منفعةَ الوَقْف. فإن قلْنا بالأول، لم يَصحَّ الوقْف على الأغنياء، ولا علَى اليهود والنصارَى والفُسَّاق.


(١) لأنه إعانة على معصية، والوقف شُرعَ للتقرب، فهما متضادان، وسواء فيه إنشاء الكنائس وترميمها منعنا الترميم أو لم نمنعه؛ ولا يعتبر تقييد ابن الرفعة عدم صحة الوقف على الترميم بمنعه، فقد قال السبكي: إنَّه وهم فاحش، لاتفاقهم على أن الوقف على الكنائس باطل، فإذا لم نصحح الوقف عليها ولا على قناديلها وحصرها، فكيف نصححه على ترميمها.
(٢) سقط في: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>