للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قلْنا بالثاني، جاز الكلُّ، ويجوز أن يخرَّج على هذا الأصْلِ الخلافُ في الوقْف على الطالبيَّة والعَلَويَّة وسائِرِ منْ لا ينحصِرُون، وفيه قوْلاَن، كما في الوصيَّة لهم، فإنْ راعَيْنا طريقَ القُرْبة، صحَّ الوقْف لَهُم، وإلاَّ، لم يصحَّ؛ لتعذُّر الاستيعابِ، والأشبهُ بكلام الأكْثَرِين ترجيحُ كَوْنه تَمْليكاً، وتصحيحُ الوقْف على هؤلاء؛ ولهذا صحَّح صاحبُ "الشَّامِلِ" الوقْفَ على النَّازِلينَ في الكنائس من مارَّة أهْل الذمَّة، وقالَ: إنَّه وقفٌ عليهم لا على الكنيسة، لكن الأحسن توسُّطٌ، ذهب إليه بَعْضُ المتأخرين، وهو تصحيحُ الوقْف على الأغنياء (١) وإبطالُ الوَقْف على اليَهُود والنَّصَارَى، وقُطّاعِ الطريق وسائرُ الفُسَّاق؛ لتضمينه الإِعانة على المَعْصِيَةِ.

فأمَّا ما يتعلق بلفظ الكتاب، فإنَّه ذكَر الخلافَ في الوقْف على الكُفَّار والفُسَّاق، ولم يذْكُرْه في الوقْف؛ لنفقة قطَّاع الطريق، بل أطْلَق الحكم بالبُطْلان، ولا يُمْكِنُ أن يقدَّر فرْقٌ بينهما؛ فإنَّ القُطَّاعَ ضَرْبٌ من الفُسَّاق؛ فكأنه أراد بالوقْف لِنفقةِ قُطَّاع الطَّريق إن شرط الصرْف إلَى ما يَتَهَيَّأَ به القطع، من سلاحٍ وغيره، فيَكُون كالوَقْف لعمارةِ البَيْعِ وقنادِيلها، وبمثله لو وَقَفَ لآلاتِ سَائِرِ المعاصِي، بَطَلَ الوَقْفُ لا محالةَ.

ولو وقف لتصرُّف الْغَلاَّتِ إلى القُطَّاع، وسائر الفُسَّاق لا إلَى جهةِ الفِسْق، فهو موضعُ الخِلاَف، ولا فرْق بيْن فاسقٍ وفاسقٍ. وقوله: "أو على المساكِينِ منَ الكُفَّار والفُسَّاق" أشار به إلى أنه، وإنْ نصَّ على مساكينهم، فالوقْفُ مختلَفٌ فيه، كما لو وقَف عَلَى أغنياءِ المُسْلِمِين، فإن وقَف عَلَى أغنيائهم، حَصَلَ الخلافُ منْ وجْهَيْن والله أعلم. وهذه مسائلُ أُخَرَ تليقُ بهذا الركْن، يجوز الوقْفُ على سبيل الله تعالى وهم المعنيُّون في آية الزكاة.

وقال أحْمَدُ: الحَجُّ في سبيلِ الله، وعلى سبيل البِرِّ أو الخيرِ، أو الثَّوَابِ، ويُصْرَف إلَى أقارب الواقِف، فإنْ لمْ يوجَدُوا، فإلي أهل الزكاة.

وذكر صاحِبُ "التهذيب" أنَّ الموقوفَ عَلَى سبيل الله (٢) يجوزُ صَرْفُه إلَى ما فيه صلاحُ المسلمين منْ أهْل الزَّكَاةِ، وإصْلاَحِ القَناطِر، وسدِّ الثغور ودفن المَوْتَى.

وغيرها وفرَقَ بعضُ أصحابِ الإمامِ، فقال: إذا وقَفَ عَلَى جهة الخير، صرف


(١) أما عن ضابط الغنى الذي يستحق به الوقف على الأغنياء.
قال الأذرعي: الأشبه أن يرجع فيه إلى العرف، وقال غيره: أنه من يحرم عليه الصدقة: إما لملكه أو لقوته وكسبه أو كفايته بنفقة غيره، وهذا أولى.
ولو وقف على الأغياء وادّعى شخص أنه غني، لم يقبل إلا ببينة بخلاف ما لو وقف على الفقراء وادعى شخص أنه فقير، ولم يعرف له مال فيقبل بلا بينة نظراً للأصل فيهما.
(٢) في د: البر.

<<  <  ج: ص:  >  >>