لم يصحَّح الوقْف على الصُّوفية أصلاً؛ إذ ليَسَ للتصوُّف حَدٌّ يوقَفُ عليه، والمشهورُ الصحَّة، وهُمُ المشتغلون بالعباداتِ في أغْلَب الأوْقَات المعْرِضُون عن الدنيا.
وفَضَّل صاحبُ الكتاب في "الفتاوَى" فقَال: لا بُدَّ في الصوفيِّ من العدالة ومن تركِ الحرفة، نعم, لا بأسَ بالوِرَاقة والخِيَاطة، وما يشبههما إذا كان يتعاطَاها أحْيَاناً في الرِّبَاط لا في الحَانُوت، ولا تَقْدَحُ قدْرَتُه على الاكتساب ولا الاشتغال بالوَعْظ والتَّدْريس، ولا أن يكونَ له من المالِ قدر ما لا تجبُ فيه الزكَاةُ، أو لا يفي دخوله بخرجه، ويقْدَحُ الثروة الظاهرة، والعُرُوضُ الكثيرة.
قال ولا بُدَّ، وأن يكون فى زيِّ القَوْم إلا إذا كان مُسَاكناً لهم في الرِّباط، فيقوم المخالطة والمساكنة مَقَامَ الزِّيِّ.
قال: ولا يُشْترط لُبْسُ المرقَّعة من يد شيخٍ، وكذلك ذكر المتولِّي.
ولو وَقَف على الأَرِقَّاء الموقوفين لسَدانَة الكعبة وخِدْمة قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففِي بعْض الشُّرُوح أنَّ أصحَّ الوجهَيْن جوازُه؛ كالوقْفِ عَلَى علَف الدواب في سَبيل الله.
ولو وقَف على دارٍ وحانوتٍ، قال أبو عَبْدِ اللهِ الحناطيُّ: لا يصحُّ إلاَّ أن يَقُول: وقَفْتُ على هذه الدَّار عَلَى أنْ يأكل فوائده طارقوها، فيصحُّ على أظهر الوجْهَيْن، ولو وقَف على المَقْبرة لتصرف الغَلَّة إلَى عمارة القبور، قال في "التتمة": لا يجوز؛ لأنَّ الموتَى صائرُونَ إلى الْبِلَى، والعمارة لا تلائمُ حالَهُمْ (١).
(١) ما أطلقه مخصوص بغير الأنبياء والعلماء والصالحين، ولهذا قال الشيخان في باب الوصية: تجوز الوصية بعمارة قبور الأنبياء والعلماء والصالحين لما فيه من إحيائها بالزيارة والتبرك. قال في الخادم: هذا ظاهر فيما ثبت كونه قبر نبي, أو ولي، دون ما شك فيه أو استفاض بلا أصل.