ورواية أُخْرَى رواها أبو الفرج السَّرْخَسِيُّ في "الأمالي" أنَّ شيئاً منها ليس بصريحٍ، بل لا بدَّ من ضم النية إلَى ما يستعمله فيها، أو الجمع بيْن لفظتين منها، أو التأكيد بقوله: "لا تُباعُ ولا تُورَثُ"، ويشهد لهذا على غرابته أن القاضِيَ ابْنَ كج حكى عن أبي حامد، وأبى الحُسَيْن وجهين في الألفاظ الثَّلاثة، هل هي صريحةٌ؟ ويتحرَّر من هذه الروايات فيها أربعةُ أوجُهٍ الكلُّ صريحٌ، الكلُّ كنايةٌ، الصريحُ الوقْفُ وحده، الكنايةُ التَّسْبيل وحده.
الثانية: لو قال حرَّمت هذه البقْعة للمساكين، أو أبَّدتُّهَا، أو داري محرَّمةٌ أو مُؤبَّدةٌ.
فإن جعْلنا الألفاظَ السابقةَ كناية فكذلك ههنا وإن جعلناها صريحةً، فوجهان:
أحدُهُمَا: أنَّ التحريمَ والتأبيدَ أيضاً صريحان؛ لإفَادَتَهما الغَرَضَ أيضاً، واستعمالِهِما في التحبيس والتَّسْبِيل وأشهرهما المَنْعُ؛ لأنهما لا يُسْتَعْمَلاَن مسْتَقِلَّيْنِ، وإنَّما يؤكَّد بهما شيْءٌ من الألفاظ المقدَّمة.
المرتبة الثالثة: قوله "تصدقت بهذه البقعة" ليس بصريح، فإنَّ هذا اللفظَ على تجردهِ إنَّما يستعمل في التَّمْليك المحضِ، فإنْ زِيدَ علَيْه شيْءٌ، فتلك الزيادةُ إمَّا لفظٌ أو نيةٌ. أمَّا اللفظُ، ففيه وجوه:
أظهرهما: أولها أنَّه، إذا اقترن به بعضُ الألْفَاظ السَّابقة؛ بأن قال: صدَقَةٌ محرمةٌ أو محبسةٌ أو موقوفةٌ أو قرن به ذكر حُكْمُ الوقْف؛ بأن قال: صدقةٌ لا تُبَاع، ولا تُوهَبُ، التحق بالصُّرَاحِ؛ لانصرافه بما ذكر عن التمليك المحْض.
والثاني: أنه لا يكْفِي قولُه: صدقةٌ محرَّمةٌ أو مؤبَّدةٌ، بل لا بُدَّ من التقييد بأنَّها لا تُبَاع ولا توهَبُ، ويُشْبِه ألاَّ يعتبر هذا القائل في قوله: صدقةٌ موقوفةٌ مثل هذا التَّقْيِيد، وأنَّ هذا قَوْلُ مَنْ ذَهَب إلَى أنَّ التحريمَ والتأبيدَ ليْسَا بصريحَيْن.
والثالثُ: أنَّ لفْظاً ما لا يُلحِقُهُ بالصريح؛ لأنَّه صريحٌ في التمليك المحضْ الذي يُخَالِف مقصودُهُ مقصودَ الوَقْف فلا ينصرفُ إلَى غيره بقرينةٍ لا استقْلالَ لها.
ويجوزُ أن يُعْلَم لهذا قوله: "صَارَ وقْفاً" بالواو.
وأمَّا النِّيَّة، فيُنْظر؛ إنَّ أضاف اللفظ إلى جهةٍ عامَّةٍ بأن قال: تصدَّقْت بهذا على المسالِكين، ونَوَى الوقف، فوجهان:
أحدهما: أنَّ النِّيَّة لا تلتحق باللفظ في الصَّرْف عن الصريح إلَى غيره.
وأصحُّهما: أنها تلْتَحِق، ويكُون وقْفاً، وإنْ أضاف إلَى معيَّن، فقال: تصدَّقْتُ عليك، أو قاله لجماعةٍ معيَّنين، لم يكن وقْفاً على الأصحِّ، [هكذا] قاله الإمامُ، بل ينفذ