فيما هو صريحٌ فيه، وهو محضُ التمليك، وفيما ذكَره دلالةٌ على أن ههنا خلافاً أيْضاً، فيجوزُ أنْ يُعْلَمَ كذلك قوله:"لم يكُنْ وقفاً". بالواو.
ثم لك أن تقول تجريد لفظ الصَّدَقَة عنِ القرائن اللَّفْظِيَّةِ، إن أمكن فرضُه في الجِهَاتِ العامَّة مثل أن يقول: تصدَّقْت به عَلَى فقراء المسلمين، فلا يمكن فرضُهُ في التصدق على شخص، أو جماعة معيَّنين، إذا لم يَجوِّزُ الوَقْفَ المنْقَطِع، فإنَّهُ يحتاجُ إلَى بيان المصَارِفَ بَعْد التعيين، وحينئذٍ فالمأتى به لا يحتمل إلاَّ الوقْفَ، كما أنَّ قولَهُ: تصدَّقت به صدقةً محرمةً، أو موقوفةً لا يَحْتَملُ إلاَّ الوَقْفَ.
وقوله في الكتاب:"إلاَّ إذا عيَّن شخصاً وقال: تصدَّقْتُ عليك" ينصرف إلى الصُّورة الثانيَةِ، وهي الاقْتِصَارُ عَلَى مجرَّد النية.
فأمَّا في القرينة اللفظيَّة، فلا فرْقَ بيْن أن يضيف التصدُّق إلَى معيَّن، أو إلَى جهةٍ عامَّة. وقولُه:"لم يكنْ وقْفاً بمجرَّد النية"[أي] لو صرح بمجرَّد النِّية، لم يضر.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: أمَّا طُرُقُ القَبُولِ، فإن كان الموقف عَلَى جهةٍ عامةٍ كالفقراء، أو على المَسْجد والرِّبَاط، فلا يشترط لعَدَم الإمكان، ولم يَجْعَلُوا الحاكمَ نائباً في القَبُول كما جعل تائباً عن المُسْلمين في استيفَاء القِصَاصِ والأموال، ولو صارُوا إليه، لكان قريبًا ثم ما ذكرناه مفروضٌ في الوقْف، فأمَّا إذا قال: جعلْتُ هذا للمسجد.
فهو تمليكٌ لا وقْفٌ، فيشترط قبول القيِّم وقبْضه، كما لو وَهَب شيئاً من صبيٍّ، وإن كان الوقْفُ على شخْصٍ معيَّن، أو جماعةٍ معيَّنين، فوجهان:
أصحُّهما: على ما ذكَره الإمَامُ وآخرون: اشتراطُ القَبُول؛ لأنَّهُ يبْعُدُ دخُولُ عيْن، أو منفعةٌ في ملْكِه منْ غَيْر رضاه.
وعلَى هذا، فليكنْ متَّصِلاً بالإيجاب كَمَا في البَيْع والهبَة.
والثاني: أنَّهُ لا يشترط، واستحقاقُ الموقوفِ عَلَيْه المنفعةَ كاستحقاق العتيق منفعةَ نَفْسِه، وبهذا أجاب صاحِبُ "التهذيب"، وكذا القاضِي الرُّويانيُّ قال: لا يحتاجُ لزومُ الوقْفِ إلَى القَبُول، ولكنْ لا يملك غلته إلاَّ بالاختيار، ويكفي الأخْذُ دليلاً عَلَى الاختيار، وخصَّص في "التتمة" الوجهَيْن بما إذا قلْنا: إنَّ المِلْكَ في الوقْف ينتقل إلَى الموقُوف علَيْه، فأمَّا إذا قلْنا: بانتقاله إلى اللهِ -تعالى- أو ببقائه للوَاقِف، فلا يُشْتَرَط.