للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاَ يَصِحُّ تعريفُه، ويجُوزُ أنْ يُقَالَ: يصحُّ، ولا يَثْبُتُ المِلْكُ في هذه الصُّورةِ، كما لا يثْبُتُ، إذا عرف من قصد الحفْظ أبداً، ثم لا يخلُو الحالُ، إمّا أنْ يَعْلَم السَّيِّدُ بالالتقاط، أو لا يَعْلَمَ، فإنْ لم يَعْلَمْ، فالمالُ أمانَةٌ في يدِ العَبْدِ، لكن، لو كان مُعْرِضًا عن التَّعْريفِ، فِفي الضَّمان وجهان كالوجْهَيْن في الحُرِّ إذا امتنع من التَّعْريف، أو أتَلَفَهُ العبدُ بعد مدَّة التعريف، أو تملكه لنَفْسِهِ فهلك عنده، ففي الضمانِ وجهان:

أحدُهُمَا: أنَّه يتعلَّق بذمَّتِه؛ كما لو استقرض قَرْضاً فاسدًا أو أستهلَكَهُ وبهذا أَجَاب الشَّيْخُ أبو محمَّد في "الفروق".

والثاني: برقبته كما لو غَصَبَ شيئاً، فتَلِفَ عنده، وليْسَ كالقَرْض، فإن صَاحِبَ المَالِ سلَّمَه إلَيْه، ولو أتْلَفَهُ في المُدَّة، فجوابُ الجُمهورِ أنَّ الضمانَ يتعلّقُ برقَبتهِ، وكذا لو تلِفَ بتقْصِيرٍ منْه، وفَرَّقُوا بيْنه وبيْن الإتْلاَف بعد المدَّةِ؛ حيْثُ كان على الخِلاَفِ السَّابق بأنَّ الإتْلافَ في السَّنَة جنايةٌ مَحْضَةٌ؛ لأنَّه لَمْ يَدْخُلْ وقتُ التَملُّكِ.

فأمَّا بعدها، فالوقتُ وقْتُ الارْتِفَاق والإنفاق، فاستهلاكُ العبد بمثابة استقراضٍ فَاسدٍ. وحَكَى القاضي ابْنُ كجٍّ ما ذكَرُوه طريقةً عن أبي الحُسَيْن، ونقل عن أبي إسحاق، والقاضِي أبي حامد أنَّ المَسْألَةَ على قولَيْن:

أحدُهُما: التعلُّق بالرقبة.

والثاني: التعلُّقُ بالذِّمَّةِ؛ لأنَّه إذا جَوَّزنَا له الالتقاطَ، فكانَ المَالُ حَصَلَ في يدِه برضَا صاحبِه، وحينئذٍ، فالإِتلافُ لا يقتضي إلاَّ التَعْلُّقَ بالذمَّة، كما لو أُودِعَ العَبْدُ مالاً، فأتْلَفَهُ يكون الضمان في ذمته، ولمانع أن يمنع ذلك؛ لأنَّ الضمان في الوديعة أيْضاً متعلِّقٌ برقبتِهِ، عَلَى قول، وإنْ عَلِمَ به السَّيِّدُ فلَهُ أخْذُهُ منْه كَأكْسَابه الَّتي يَكْتَسِبُهَا، ثُمَّ هو كما لو التقطَ بنَفْسِه، فإنْ شاءَ، حَفِظَهُ لمالكه، وإنْ شاء، عرف وتملَّك، فإنْ كان العَبْدُ قد عرَّف بعْضَ المُدَّةِ، احتسب به وبنى، وإنْ أقره في يد العَبْد، فإنْ كان خَائِنًا، ضَمِنَ السَّيِّدُ بإبْقائه في يَدِهِ، وإنْ كان أميناً، جَازَ، ثم إن تَلِفَ المال في يده في مدَّةِ التَعْرِيف، فلا ضمانَ، وإنْ تلِفَ بعْدها، فإن أذن السيدُ في التَملُّكِ، وجرى التَّمَلُّكُ، لم يَخْفَ الحُكْمُ، وإن لم يجْزِ التملُّكُ بَعْدُ، ففي تعلُّق الضَّمانِ بالسيد وْجهان منقولان في "النهاية":

أظهرُهُما: يتعلَّق؛ لإذْنِه في سَبَب الضمانِ، فصار كما لو أَذِنَ له في استيام شيْءٍ، فأخذَهُ، وتَلِفَ في يده.

والثاني: لا يتعلَّقُ، كما لو أَذِنَ له في الغَصْب، فغَصَبَ، فإنْ قلْنَا بالثَّاني، فيتعلَّق الضَّمان برقبة العبد، وإن قُلْنا بالأَوَّل، فهو متعلِّقٌ بذمة العبد، حتى يطالَب به بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>