ولا شكَ في أنَّه يَحْرُمُ علَيه نَبْذُه وردُّهُ إلَى ما كان.
وقوله:"ثُمَّ مَنِ الْتَقَطَ، يلزَمُه الحضانةُ" لفظ "الحضانة" يُستَعْمَلُ كثيراً في الباب، وكأن المرادَ منْه الحفْظُ والتربيةُ لا الأعمالُ المفصَّلةُ في الحضانة والإجَارَة؛ فإنَّ فيها مَشَقَّةَ ومؤنَةً كثيرةً، فكيف نُلْزِمُ من لا تلزمُه النفقة، وقد أوضحه صاحبُ "التهذيب" فقال: ونفقةُ اللقيطِ وحضانتُه في مالِه، إن كان له مالٌ.
ووظِيفة الملتقط حفظه وحفظُ مالِه، هذا معنى كلامِه.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المُلْتقِط إمَّا حضريٌّ وإما بَدَوِيٌّ، فالبَلَدِيُّ، إذا وَجَدَ اللقيط في بَلْدَتِهِ أُقِرَّ في يده، وليسَ له أنْ ينقلَه إلى البادية، لو أراد الانتقال إليها، بل يُنْتَزَعُ مِنْهُ؛ لمعنيين:
أحدهما: أنَّ عيشَ أهْلِ البوادي أخشن، والغالبُ قصورُهُمْ عن معْرفة عُلُوم الأدْيَان والصِّنَاعات التي تكتسب منها، ففي النقل إضرارٌ باللقِيط، وهذا هو المذكورُ في الكتابِ.
والثاني: أن ظهور نسبه بموضِعِ الْتقاطِهِ أغلب؛ لأنَّ من ضَيَّعه، يَطلُبُهُ حيْثُ ضيَّعَه، ولو كان الموضعُ المنقول إلَيْه من البادية قريباً من البلدة، يَسْهُلُ تَحْصِيلُ ما يراد منها، فإنْ راعَيْنا خشونةَ المَعِيشةِ، لم نَمنعْ، وإنْ راعَيْنا أمر الكَسْب، فإنَّ كان أهلُ البَلْدة يختلطون بأهْل ذلك المَوْضِع، فكذلك (١)، وإلاَّ، منع، وكما أنَّه [ليس] له نقلُهُ إلى البادية، لَيْسَ له نقلُهُ إلى القُرَى، ولو أراد نقلُهُ إلَى بلدة أخرَى، أو التقطه غريبٌ في تلك البلدة، وأراد نقلَه إلى بلدتِه، فوجهان، بناءً على المعنَيَيْن، إن نظرنا إلَى تفاوُتِ المعيشِةِ، فالبلاد متقاربة، وإنْ راعَيْنَا أمْرَ النَّسَبِ، منَعْنَاه، وانْتَزَعْنا اللَّقِيطَ من يدِه، والأوَّلُ النصُّ، وبه أخَذَ المُعْظَمُ، قال في "التَّتِمَّة": ولا فَرْق في ذلك بين سَفَرِ النُّقْلةِ
(١) وصدر كلامه يقتضي أن كلاً منهما جزء علة وآخره يقتضي أنه علة مستقلة وهو الصواب، والأصح منهما المعنى الأول وقد صرح به في التفريع الآتي، وبه يظهر أنه ليس في التعليل هنا لمجموعهما ولا بكل منهما بل بالمعيشة على الأصح وعلى الثاني بحفظ النسب وأجمعا هنا لفواتهما في البادية.