للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو اجتمعَ حَضَرِيٌّ وَبَدَوِيٌّ عَلَى لَقِيْطٍ في الباديةِ، نُظِرَ؛ إن وُجِدَ في حِلَّة أو قبيلةٍ، والبدويُّ في موضعٍ راتبٍ، فهما سواءٌ (١).

وقال القاضي ابنُ كج: البدويُّ أَوْلَى إن كان مقيمًا فيهم؛ رعايةً لنَسَبِه، فإن كان البدويُّ من المنْتَجِعِينَ، فإنْ قلْنا: يُقَرُّ في يَدِهِ، لو كَانَ مُنْفَرِداً، فهما سَوَاءٌ، وإلاَّ فالحَضَرِيُّ أَوْلَى.

وإن وُجِدَ في مَهْلَكَةٍ، ذكر ابنُ كج أنَّ الحضريَّ أَوْلَى، وقياسُ قولِه تقديمُ البدويِّ أو تقديمُ مَنْ كان مكانُهُ أقربُ إلى موضع الالتقاط (٢) منهما، وإذا تأمَّلتَ ما ذكرناه، عَرَفْتَ أنَّ قولَه في الكتابِ "وعليه حفظُه في مَوْضِعِ الْتِقَاطِهِ" وقولَهُ في فَصل الازدحام "والبلديُّ على القرويِّ، وَالقرويُّ على البلديِّ" غيْرُ مُجْرَيْنِ عَلَى إطلاقهما، بل الأمر فيهما على التفصيل، وقوله "فإن نُقِلَ من الباديةِ إلَى البَلَدِ، جاز" مرقوم بالواو، وقولُه "أو من قبيلةٍ إلَى قبيلةٍ في الباديةِ" هذه الصورةُ لا ذِكْرَ لها في "الوسيط" ولم يُطْلِقْها في "النِّهاية" ولكن قال: للقبائِلِ في البَوَادِي سُنَّةٌ في التفاوت والاعتناء بالأنْسَاب، فمن راعَى أمر النسب، فلا إضرار، ومَنْ رَاعَى عُسْر المعيشة، فلا تفاوت، هذا إذا تَقَارَبَتْ، فلم ينقطعْ خَبَرُ بَعْضِها عن بَعْضٍ، أمَّا إذا نَأْتِ المسافاتُ، وانقطعتِ الأخبارُ، فحينئذٍ يَظْهَرُ التفاوُتُ في أمر النَّسَب، وحاصِلُة تخصيصُ الخلافِ بما إذا تباعَدَتْ، وأمَّا كُتُبُ سائر الأصحابِ، فلَيْسَ فيها ذكرُ الخلافِ الَّذي أوْرَدُوهُ في النقل من بلْدةٍ إلَى بلْدةٍ عَلَى تشابُهِ الصُّورَتَيْنِ، بل الذي ذَكَروه ما مَرَّ أنَّ البَدَوِيَّ المقيمَ في موْضِعٍ راتبٍ، يقر في يده اللقيطُ الذي التقطه من قبيلة أو حِلَّةٍ، ولم يَفِرقُوا بين أنْ يكونَ مِنْ أهْل القَبيلةِ الَّتِي وُجِدَ اللقيطُ فيها أو مِنْ غيرِها، وإذَا كان مِنْ غيرها وأقْرَرْناه في يدِهِ، فقد جَوَّزنا النَّقْلِ من قَبيلةٍ إلَى قبيلةٍ.

قال الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا نَفَقَةُ اللَّقِيطِ فَفِي مَالِهِ وَهُوَ ما وُقِفَ عَلَى اللُّقَطَاءِ، أَو وُهِبَ مِنْهُمْ، أَو أُوْصِيَ لَهُمْ وَيَقْبَلُهُ القَاضِي، أَوْ مَا وُجِدَ تَحْتَ يَدِهِ عِنْدَ الْتِقَاطِهِ يَكُونُ مَلْفُوفاً عَلَيْهِ أَوْ مَشْدُوداً عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ مَوْضُوعاً عَلَيْهِ، وَمَا هُوَ مَدْفُونٌ فِي الأَرْضِ تَحْتَهُ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ إلاَّ أَنْ تُوجَدَ مَعَهُ رُقْعَةٌ مَكْتُوَبةٌ بِأَنَّهُ لَهُ فَهُوَ لَهُ عَلَى أَظْهَرَ الوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِالقرْبِ مِنْهُ مَالٌ


(١) قال النووي: المختار الجزم بتقديم القروي مطلقًا، كما قاله ابن كج، وإنما يجوز النقل إذا لم يعارضه معارض. والله أعلم.
(٢) قال ابن الرفعة: وما قال إنه "قياس قوله" صحيح إن كان مأخذه فيما تقدم منع النقل من البادية إلى الحاضرة؛ لأجل لحاظ النسب، لكنه قد يكون مأخذه تضرر الطفل بمجرد النقل مع استغنائه عنه، وهو مظنة الهلاك في الجملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>