للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرُ المميِّز والمجْنُون لا يصِحُّ إسلامُهما مباشرةً بالاتِّفاق، ولا يُحكَمُ بإسلامهما إلا على جهة التَّبعيَّة.

قال الغَزَالِيُّ: وَللتَّبَعِيَّة ثَلاَثُ جِهَاتٍ: (الأُولَى) إِسْلاَمُ أَحدِ الأَبوَيْنِ، فَكُلُّ مَن انْفَصَلَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ (م) فَهُوَ مُسْلِمٌ، وإِنْ طَرَأَ إسْلاَمُ أَحَدِ الأَبوَيْنِ حُكِمَ بِالإِسْلاَمِ فِي الحَالِ، وَكَذَا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الأجْدَادِ أَو الْجِدَّاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ الاقْرَبُ حَيَّا، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَفِي تَبَعِيَّتِهِ تَرَدُّدٌ (و)، ثُمَّ إِذَا بَلَغَ وَأَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بالكُفْرِ فَهُوَ مُرْتَدٌ عَلَى أَصَحِّ القَوْلَيْن، وَمَا سَبَقَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُنْقَضُ، وَلَوْ قُتِلَ قَبْلَ البُلُوغِ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ الكُفْرِ، وَإِنْ قُتِلَ بَعْدَ البُلُوغِ وَقَبْلَ الإِعْرَاب وَجَبَتِ الدِّيَةُ، وَفِي القِصَاصِ خِلاَفٌ لأَجْلِ الشُّبْهَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إحْدَى جهاتِ التَّبَعِيَّة في الإسْلاَم إسلامُ الأَبوَينِ، أَو أحدهما، وذلك يفرض من وجْهَيْنِ:

أحدُهُمَا: أن يَكونَ الأبوانِ أو أحدُهُمَا مُسْلِماً يَوْمَ الْعُلُوق، فَيُحْكَمُ بإسلامِ الوَلَدِ؛ لأنَّه جزء من مُسْلِمٍ، وإن بلغَ وأعْرَبَ عن نفسِه بالكفرِ، فهو مُرتَدُّ.

والثاني: أنْ يكونَا كَافِرَيْنِ يَوْمَ العُلُوق، ثم يُسْلِما أو أحدُهُما، فيُحْكَمُ بإسلام الوَلَدِ في الحالِ، حتَّى يتعلَّق القصاصُ والدِّيَةُ بقَتْلِهِ، وُيورَثُ من قريبه المُسْلِم، ويُحْرَمُ ميراثَ قَريبه الكَافِر، ويجوزُ إعْتاقُه عن الظِّهارِ، لو كان رَقِيقاً، وهذا لا تردُّد فيه، إذا قُلْنا: إنَّ إسلاَم الصَّبيِّ لا يَصِحُّ، أمَّا إذا صحَّحناه.

قال الإمامُ: تردَّد أصْحَاب أبي حنيفةَ في تبعيَّته لمن أسْلَم من أبَوَيِهْ، وهو موضعُ التردُّد؛ لأنَّ الجمْعَ بيْن إمكان الاستقلال وبين إثبات التبعيَّة بعيدٌ.

وقال مالكُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لا يَتْبَعُ الأمَّ إلا إذا أسْلَمَتْ إلاَّ أنَ يكونَ جنيناً في بَطْنِهَا.


= بالإِسلام المتعلق باللفظ. وهذا منه بناء على تغاير الإيمان والإِسلام، والفقهاء لا يفرقون بينهما على أن هذا الذي قاله ابن الأستاذ ما يجيء على القول بأن أطفال الشرك لا يدخلون الجنة، أما إذا قلنا بدخولها كما هو مذهب المحققين فهم من الفائزين بها، وإن لم يضمروا الإِسلام، فكيف إذا أضمروه وأظهروه.
الثاني: ما حكاه عن الإمام من الاستشكال ليس كذلك، فإن الإمام لما نقله قال: ما عندي أن هذا الخبر مخالف فيما صار إليه -يعني محل اتفاق- قال: يجر إشكالاً ولم يقل فيه إشكال كما نقله الرافعي عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>