الثانية عن ابن أبي هُرَيْرَة، والعبارةِ الأولَى عَنْ أبي إسحاقَ، وهو الأشْهَرُ، على أنَّ أصلَ العَرْضِ لاَ يَخْتَلِفُ.
والثاني: أنَّهُمَا يستعمَلاَنِ، إمَّا بالتوقُّفِ أوْ بالقِسْمَةِ أو بالقُرْعَةِ على ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ مَعْروفةٍ: لا سَبِيلَ إلى التوقُّف هاهنا، لما فيه من الاضْرَارِ بالطِّفل، ولا إلى القسمةِ، فلا مجال لها في النسب.
وأمَّا الاقتراع، ففيه وجهان:
أَحَدُهُمَا، ويحكَى عن الشيخ أبي حامد: أنَّهُ يجري هاهنا، فيُقْرَعُ، ويُقدَّم مَنْ خَرَجَتْ قرعته، وهذا ما أورده في الكتاب.
وثانيهما، وبه قال القاضِي أبو الطيِّب والأكثرون: المنْعُ؛ لأنَّ القُرْعَةَ لا تَعْمَلُ في النَّسَب، وهذا ما أورده الإمامُ وصاحبُ "التهذيب" ولو اختصّ أحدُهُما باليَدِ لمْ ترجَّحَ بينةٌ باليد بخلاف الأَمْلاَكِ، كما نُقدِّم فيها بيِّنةُ ذي اليَدِ؛ لأنَّ اليَدَ تدُلُّ على المِلْكِ.
وفي "الإفصاح" للمسعوديّ، و"أمالي" أبي الفرج الزاز أنَّه لو أقَامَ أحدُهُمَا البيِّنةَ علَى أنَّه في يدهِ مُنْذُ سنةٍ، والثاني علَى أنَّه في يده منذ شَهْرَيْنِ، وتنازَعَا في نَسَبِه، فالتي هي أسبق تاريخاً أولى وصاحبُها مقدم، لكنَّ هذا كلام غيرُ مُهَذَّبٍ، فإنَّ ثبوت اليَدِ لا يقتضي ثُبُوتَ النسب، وإنْ فُرِضَ تعرُّض البينتين لنَفْسِ النَّسَب، فلا مجالَ فيه للتقدُّم والتأخُّرِ، وإنْ شَهِدَتَاَ على الاسْتِلْحَاقِ [فيبنى على أن الاستلحاقَ من شَخْصٍ، هل يمنع غَيْرَهُ مِنَ الاستلحاقِ](١) بَعْدَه، وقد مَرَّ.
وإنْ كان التداعِي بَيْن امرأتَيْنِ، وأقامتْ كلُّ واحدةٍ منهما البَيّنَةَ: قال الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "أرَيْتُهُ القَافَةَ مَعَهُما، فبأيتهما ألحقته، لحقَهَا، ولَحقَ زوْجَهَا"، فمن الأصحاب مِنْ قال: هذا جواب على قوْل الاستعمال، وترجيحٌ لِقَوْلِ القائِفِ، كما يرجَّحُ في الأملاَكِ بِالقُرْعَةِ، وهذا يوافق ما مَرَّ [من] حكايتِهِ عن الشيخ أبي حامِد، وعلَى هذا؛ فيَلْحَقُ الزَّوْجَ لا مَحَالَةَ؛ لأنَّ الحُكْمَ بالبينة.
ومنْهُمْ مَنْ قال: إنَّه جوابٌ عَلَى قولِ التَّهاتُرِ، وكأنَّه لا بَيِّنَةَ، فيرجعُ إلَى قَوْلِ القَائِفِ، وعلَى هذا، ففي لُحُوقِ الزَّوْجِ ما سَبَقَ من الوَجْهَيْنِ، ولنرجِعْ إلى ما يتعلَّق بلفظ الكتاب:
قولُه "بل يعرف على القائف" معْلَمٌ بالحاء؛ لأنَّ أبَّا حنيفةَ -رحمه الله- قال: لا أَعْرِفُ القاِئفَ.