يَدِهِ قَبْلَ أنِ الْتَقَطَهُ، لَكِنْ رَوَئ القاضِي ابْنُ كَج في هذه الصُّورَةِ عنِ النصِّ أنَّه لا يُرَقُّ حتَّى يقيم البَيِّنَةَ عَلَى سبب المِلْك، ووجهه بأنَّه إذا عُرِفَ بأنَّه التَقطه، فكأنَّه أقَرَّ له بالحرِّيَّة ظاهراً، فلا تُزَالُ إلاَّ عن تحقيق.
جئْنا إلَى ما يتعلَّق بلفظ الكتابِ:
قوله "فيه ثلاثةُ أقْوالٍ" يجوز إعلامُهُ بالواو؛ للطريقة القاطِعَةِ بالاكتفاء.
وقوله "كبينةِ المالِ" يعني في سائرِ الأموال، وإلاَّ فالعَبْدُ مالٌ أيضاً.
وأمَّا القَوْلُ الثَّالِثُ، وهو الفرق بَيْن الملْتَقِطِ وغَيْرهِ في الاكْتفاءِ بالبينةِ المطْلَقَة، فَهَذَا لا ذِكْرَ لَهُ في كُتُب الأصحَابِ، لكنه مخرَّج مما ذكرُوهُ، ومِنْ كَلاَم الإمَامِ لا بُدَّ من حِكايَتِهِ، وذلك أنَّه حَكَى فيما إذَا ادَّعَى المُلْتَقِطُ رقَّهُ, القَوْلَيْنِ كما قدَّمَنا، ثم قالَ: إنَّ المُزَنِيُّ لَمَّا نَقَلَ عَن الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اشتِراطَ تَقْييدِ البينَّةِ على الملتقط، حَكَى نصّاً آخَرَ، وهو أنَّه قال: إذا التقط الرَّجُلُ منبوذاً، وجاء آخَرُ، وقَالَ: هذ اللَّقِيطُ مِلْكِي، كَانَ في يَدِي قَبْلَ الالْتقَاطِ، فأقام بَيِّنَةً عَلَى أنَّه مِلْكُهُ مُطْلَقًا، قُبِلَتِ الشهادةُ وَنَظَمَهُما قَولَيْنِ، واخْتارَ أَحَدَهُما.
قال: وهَذَا مأخوذٌ علَيْهِ، فإنَّ النَّصَّ الأَوَّلَ في المُلْتَقِطَ.
والثاني: في غَيْرِ المُلْتَقِطِ، وَلَيْس في حقِّ غَيْرِ المُلْتَقِطِ يَدُ الْتِقَاطٍ حتى يحدّد استناد الشهادةِ إليها، فقُبِلَت عَلى إطلاقِها، وحاصِلُهُ أنَّ البَيِّنَةَ المُطْلَقَةُ يُكْتَفَى بِها من غَيرِهِ، وفي الملْتَقِطِ قَوْلاَنِ، والجمهورُ أثْبَتُوا فيهما قولَيْنِ بلا فَرْقٍ؛ فتولَّد مِنَ النَّقْلَيْنِ قَوْلٌ فارقٌ كما في الكتابِ، ولكنْ في كلامِ الإمام توقُّفُ في الموضِعَيْنِ.
أحَدُهُمَا: أنَّه حَمَلَ ما نقَلَهُ المُزَنِيُّ أوَّلاً عَلَى ما إذا ادَّعَى الملْتَقِطُ رِقَّهُ، ولَيْسَ في اللقيط ما يخصّصهُ به؛ لأنَّه قال: قال الشَّافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "فإذا ادَّعَى رجُلٌ اللَّقِيطَ أنَّه عبْدُهُ، لمْ أقبل حتّى يشهَدَ أنَّها رَأَتْ أمَةَ فلانٍ وَلَدَتهُ" يعْني المدَّعِي.
والثاني: أنَّ لفْظَ النصِّ الأخيرُ، وقال في موْضِعٍ آخَرَ: وإنْ أَقامَ بينةً بأنَّهُ كان في يدِهِ قَبْلَ الْتِقاطِ الملتقط، أرْقَقْتُهُ لَهُ، ولَيْسَ فيه تَعَرُّضٌ لَلمِلْكِ، إلاَّ أنَّ ما ذكره الإمامُ من أنَّ هَذَا النَّصَّ قَوْلٌ بقبول الشهادةِ على المِلْكِ مُطلقاً يوافقه كَلاَمُ الأصْحابِ، وكأنَّهُمْ فَهمُوا من قُبُولِ الشَّهَادةِ على اليد الدالة على مطْلَقِ المِلْكِ قَبُولَ الشهادةِ علَى مطلَق المِلْكِ بطريقِ الأَوْلَى، لكنْ يُتَوَجَّهُ أنْ يُقَال: المِلْكُ في صُورَةِ النَّصِّ [هو] غير ثابِتٍ بالبينةِ، وإنَّما ثبتتْ بها اليَدُ والإرْقاقُ بقَوْلِ صاحِب اليَد، كما تقدَّم.
وقولُهُ "فالمُقَيِّدُ بأَنْ يَسْتَنِدَ إلَى شِرَاءٍ أوْ إرْثٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ يَقُولَ: وَلَدَتْهُ مَمْلُوكَتِي عَلَى مِلْكِي" هذَا حكايةُ لفظَ المدَّعِي، ثم الشُّهُودُ يُطبِّقُون شهادَتَهُمْ عَلَيْهِ، ولا يُفْهَمُ مِنْ