للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: قَالَ القَفَّالُ: ما تَكلَّم أحدٌ من الصحابة -رَضِي اللهُ عَنهُمْ- في الفَرَائِضِ، إلا وقَدْ وُجِدَ له قَوْلٌ في بعضِ المَسائِل هَجَرَهُ النَّاسُ بالاتَّفاقِ إلاَّ زَيْدٌ، فإنَّه لم يَقُل بقَوْلٍ مهجُورٍ بالاتِّفاقِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ كالعمومَيْنِ، إذَا وَرَدَ، وقَدْ خُصَّ أحَدُهُمَا بالاتِّفاقِ دُونَ الثَّانِي، كانَ الثَّانِي أَوْلَى، وقد يُعتَرَضُ فَيُقالُ: للكَلاَم مَجالٌ في أنَّ الوجْهَيْنِ، هل يُوجِبَانِ الرُّجْحَانَ، لَكنْ بتقدير التَّسْليم فالأخذ بما رُجِحَ عَنْدَهُ، أنه [إنْ] لَمْ يَكُن بَناهُ عَلَى الدَّلِيلِ في كلِّ مسألةٍ، لمْ يَخْرُجْ عن كونهِ تقليدًا، كالمقلَّدِ يأخُذُ بقَوْلِ مَن رَجَحَ عِنْدَهُ من المجتهدين، وإن كان بَنَاهُ علَى الدَّلِيلِ، فَهُوَ اجتهادٌ وافَقَ اجتهاداً، فلا مَعْنَى للقَوْلِ بأنَّه اختارَ مذْهَبَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ويُجابُ عَنْه بأنَّ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لمْ يُخْلِ مسألة عن احتجاج واستشهاد، لكنهُ اسْتَأْنَسَ بما رَجَحَ عنْدَهُ من مذْهَب زَيْدٍ، ورُبَّمَا تَرَكَ بهِ القياس الجليِّ، وعضَّدَ الخَفِيَّ. كقولِ الواحدِ من الصَّحابة، إذا انْتَشَرَ، ولم يُعْرَفْ لَهُ مخالفٌ؛ فباعتِبَار الاستئْنَاسِ، قيل: إنَّه أخَذَ بمذْهَبِ زَيْدٍ، وباعتبار الاحتجاج، قِيل: إنَّه لمْ يُقَلِّدْ، والله أعلم.

الفاتحَةُ الخامِسَةُ: يُبدأ من تركة الميِّتِ بمؤنة (١) تجهِيزِهِ المَعْرُوفِ؛ لأَنَّهُ يحتاجُ


= في ترجمة علي بن جعفر، وعن أبي سعيد رواه قاسم بن أصبغ عن ابن أبي خثيمة، والعقيلي في الضعفاء عن علي بن عبد العزيز كلاهما عن أحمد بن يونس عن سلام عن زيد العمي عن أبي الصديق عنه، وزيد وسلام ضعيفان، وعن ابن عمر رواه ابن عدي في ترجمة كوثر بن حكيم وهو متروك، وله طريق أخرى في مسند أبي يعلى من طريق ابن البيلماني عن أبيه عنه، وأورده ابن عبد البر في الاستيعاب من طريق أبي سعد البقال عن شيخ من الصحابة يقال له: محجن أو أبو محجن].
(١) في ز: بمؤن.
المراد بمؤنة التجهيز تكفينه وحنوطه ومؤنة دفنه كما صرح به ابن سراقة في التلقين. قال: ويكون على حسب ما يتعارف مثله في مثل حاله وقدر ماله، ويبرأ أيضاً بمؤنة من عليه تجهيزه إذا مات في حياته. كما نقله النووي في باب التفليس من زوائده عن الشَّافعي والأصحاب.
ويستثنى من إطلاق الشيخ هنا المرأة إذا كان لها زوج موسر، فإن كفنها على الزوج ومؤنة التجهيز وإن كانت موسرة على الأصح إلا أن تموت وهي ناشزة.
وقال النووي فإن تعلق كالمرهون وما يتعلق به زكاة، فزكاة هذه من زيادة له على أصله لكن ذكرها المصنف في باب الكفن، وقد استحسن السبكي حذفها وقال لأنه إذا كان النصاب باقياً, فالأصح أنه تعلق شركة، فلا يكون تركة، فليس مما نحن فيه، وإن قلنا، تعلق جناية أو رهن فقد ذكرا وإن علقناها بالذمة فقط أو كان النصاب تالفاً، فإن قدمنا دين الآدمي أو سوينا فلا استثناء، وإن قدمنا فيقدم على دين الآدمي لا على التجهيز فظهر أنه لا استثناء. قال في الخادم: المراد الأول وهو حالة نقاء النصاب كما صرح به في التهذيب والكافي في باب الجنائز.
ولا نسلم أنه ليس له تركة بل هو تركة، وإن قلنا: تعلق شركة إذ ليست شركة حقيقية بدليل أنه يجوز للوارث إخراج الزكاة من غيرها كما يجوز له إمساكه التركة وقضاء الدين من ماله. =

<<  <  ج: ص:  >  >>