للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَمَا أبْقَتِ الفَرائِضُ فَلأَوْلَى عَصَبَةٍ" (١).

ومِثْلُ هَذَا الشخْصِ عَصَبَتُهُ المُسْلِمُونَ؛ ألا تَرَى أَنَّهُم يتحمَّلُون عَنْهُ الدِّيَةَ، ومَا ذَكَرْنَا مِنْ منْعِ توْرِيثِ ذَوِي الأرْحَام، ومنْعِ الرَّدِّ فيمَا إذَا انتظمَ أمْرُ بيْتِ المالِ بأَنْ وَلِيَ النَّاسَ إمامٌ عادِلٌ.

أمَّا إذا لَمْ يَكُن إمامٌ، أو لم يكن مستحِقاً للإمَامَةِ، فَفِي مَالِ مَنْ لَمْ يخلِّفْ ذَا فَرْضٍ ولا عَصَبَةٍ أو خَلَّفَ ذَوِي فُرُوضِ لا تَسْتَغرِقُ المَالَ، وجهانِ حكاهما الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والمُعْتَبَرُونَ.

أظْهَرُهُما، عند أبِي حامِدٍ وصاحب "المهذَّب": أنَّه لا يُصرَفُ إلَى ذَوِي الأرحامِ ولا يُرَد عَلَى ذَوِي الفُرُوضِ أَيْضاً؛ لإنَّ الَحَقَّ فيه لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ، فلا يَسْقُطُ بِفِقْدانِ منْ ينُوبُ عَنْهُمْ.

والثانى: أنَّه يُصْرَفُ وَيُردُّ؛ لأنَّ المَالَ مصْروفٌ إلَيْهِمْ أو إلَى بيْتِ المَالِ بالاتِّفَاقِ.

فإذَا تَعذَّرت إحْدَى الجهتَيْنِ، تعينت الأخْرَى، ولو تَوَافَقَتَا، لعَرَّضْنَا المالَ للفَوَاتِ والآفاتِ، وهَذَا ما اخْتَارَهُ الق! اضِي ابنُ كَجٍّ، وأفتى (٢) به أكَابِرُ المتأخرينَ (٣).

التفريعُ: إنْ قُلْنَا: لا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ، وَلا يُرَدُّ، فإن كَانَ المَالُ في يدِ أمينٍ؛ قَالَ في "التتِمَّةِ": يُنْظَر: إنْ كَانَ في البَلَدِ قاضٍ، بشَرائِطِ القضاءِ، مأذونٌ في التصرُّفِ في مالِ المصالح، وَدُفِعَ إليهِ؛ لِيَصْرِفَهُ فِيهَا، وإنْ لم يَكُنْ قَاضٍ، أو لَمْ يكِنْ بشرائِطِ القَضَاءِ، صَرَفَهُ الأمِينُ بِنَفْسِهِ إلى المصالِحِ، وإنْ كَانَ هُنَاكَ قاضٍ بشَرْطِ القَضَاءِ، لكنه لم يُؤْذَنْ لهُ


(١) متفق عليه، قوله: وفي رواية: فلأولى عصبة ذكر، وقال بعد أوراق: اشتهر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال فذكره بهذا اللفظ، والثابت في الصحيحين من حديث ابن عباس فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، وهذا اللفظ تبع فيه الغزالي، وهو تبع إمامه، وقد قال ابن الجوزي في التحقق: إن هذه اللفظة لا تحفظ، وكذا قال المنذري، وقال ابن الصلاح: فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة، فضلاً عن الرواية, فإن العصبة في اللغة اسم للجمع لا للواحد، انتهى. وفي الصحيح عن أبي هريرة حديث: أيما امرئ ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فيشمل الواحد وغيره.
(٢) في ز: وأوصى.
(٣) قال النووي في زياداته: هذا الثاني، هو الأصح أو الصحيح عند محققي أصحابنا، وممن صححه وأفتى به الإمام أبو الحسن بن سُراقة من كبار أصحابنا ومتقدِّميهم، وهو أحد أعلامهم في الفرائض والفقه وغيرهما، ثم صاحب "الحاوي"، والقاضي حسين، والمتولي، والخَبْري -بفتح الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة- وآخرون، قال ابن سُراقة: وهو قول عامة مشايخنا، قال: وعليه الفتوى اليوم في الأمصار، ونقله صاحب "الحاوي" عن مذهب الشَّافعي رضي الله عنه، قال: وغلط الشيخ أبو حامد في مخالفته، قال: وإنما مذهب الشَّافعي منعهم إذا استقام بيت المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>