أما الجدات فتحجب بالأم سواء أكانت الجدات من جهة الأم أم من جهة الأب. أما حجب الأولى بالأم فلأنها تدلي بها. وأما حجب الثانية بها فلكون الأم أقرب من يرث بالأمومة. فإنها ترث بها بلا واسطة بخلاف الجدات فيرثن بها بواسطة: فالتي من جهة الأب ترث بالأمومة باعتبار كونها أم أب. والتي من جهة الأم ترث بالأمومة باعتبار كونها أمِّ أمِّ. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أتت أبا بكر الجدة مع ابنتها فطلبت الميراث من بنتها فجلس أبو بكر على المنبر يشير كأنه يريد أن يشركها مع ابنتها فدخل العباس بن عبد المطلب وأبو بكر يقول تلك المقالة -فقال العباس- أحقهما التي باتت تقول على رأسه آه. آه .. فقال أبو بكر -صدقت- فورث بنتها وترك أم البنت التي هي جدة الميت. والأم إذا حجبت الجدة من قَبِلها حجبت الجدة من قبل الأب أيضاً لأنها مثلها. بل الجدة من قبل الأب أضعف حالاً من الجدة التي من قبل الأم ولهذا قدمت الثانية على الأولى في حق الحضانة. وكما تحجب الجدات من جهة الأب بالأم. تحجب أيضاً بالأب وهو قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم. وتسقط الجدات الأبويات أيضاً بالجد إلا أم الأب وإن علت كأم أم الأب وهكذا فإنها ترث مع الجد لأنها ليست من قبله بل هي زوجة له مثلاً فترث مع الجد. كلما أن الأم ترث مع الأب. والجدة القربى من أي جهة تحجب البعدى من تلك الجهة سواء أكانت من قبل الأب أو من قبل الأم. وحاصل أقسام الجدات باعتبار القريب والبعد أربعة: إذ لا يخلو إما أن تكون القربى والبعدى من جهة الأم كأم الأم مع أم أم الأم أو يكون كل منهما من جهة الأب كأم الأب مع أم أم الأب. أو القربى من جهة الأب والبعدى من جهة الأم كأم الأب مع أم أم الأم. أو العكس كأم الأم مع أم أم الأب أو مع أم أبي الأب .. وحكم هذه الأقسام أن القربى من أي جهة تحجب البعدى من أي جهة لكن إذا كانت القربى من جهة الأب والبعدى من جهة الأم. فالأصح عند الشَّافعي رحمه الله أن الجدتين تقتسمان السدس بالسوية بينهما وهو مروي عن زيد بن ثابت في إحدى الروايتين عنه. وإليه ذهب مالك رضي الله عنه. لأن الجدة إنما تستحق بالأمومة وهي في الجدة التي في جانبها الأم أظهر فإنها أم تدلي بأم بخلاف الأبوية فإنها أم تدلي بأب. فإذا كانت القربى من جهة الأم فلها رجحان بزيادة القرب وظهور صفة الأمومة معاً فكانت أولى. أما إذا كانت القربى من جهة الأب والبعدى من جهة الأم كما هو الفرض فلاحداهما ظهور الصفة وللأخرى زيادة القرب فتستويان في استحقاق الإرث. ويرى أبو حنيفة رضي الله عنه أن البعدى من جهة الأم تسقط بالقربى من جهة الأب وهو المفتى به عند الحنابلة. وأحد القولين للشافعي واستدل الحنفية، بأن استحقاق الجدة باعتبار الأمومة وهي الأصلية ومعنى الأصلية في القربى أظهر وأقوى من في البعدى سواء أكانتا من جهة واحدة أم من جهتين فتكون القربى مقدمة على البعدى مطلقاً. ولو كان ظهور الأمومة موجباً للتقديم لكانت أم الأم مقدمة على أم الأب مع تساويهما في الدرجة مع أن تقديمها في تلك الصورة لم يقل به أحد.