وأما عدم إرث المسلم الكافر فهو مذهب الجمهور خلافاً لمعاذ بن جبل ومعاوية رضي الله عنهما. واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإسلام يزيد ولا ينقص". وقياساً على النكاح والاغتنام -فكما أن المسلم يتزوج الكافرة بالشروط فكذلك الميراث. وكما أن المسلم يغتنم مال الكافر كذلك يصح أن يرثه- وأجيب بأن الخبر إن صح فمعناه يزيد بفتح البلاد ولا ينقص بالارتداد- وأما القياس فمردود بأن العبد ينكح الحرة ولا يرثها. والمسلم يغتنم مال الحربي ولا يرثه. ثم إنهم اختلفوا هل الكفر كله ملة واحدة أو ملل متعددة. فالأصح من مذهبنا كمذهب الحنفية أن الكفر كله ملة واحدة فيتوارث الكفار بعضهم من بعض إلا ما سيأتي التنبيه على عدم إرثه. ومذهب المالكية والحنابلة أن الكفر ملل. فاليهود ملة -والنصارى ملة- والمجوس ملة- وعباد الشمس ملة- وعليه فلا يتوارث بعضهم من بعض لاختلاف مللهم. استدل الأولون بقوله تعالى:- {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}. وقوله أيضاً: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. واستدل الآخرون بقوله تعالى:- {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} فهما ملتان. وقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يتوارث أهل ملتين". وأجاب الأولون بأن الآية الأولى لا تدل على اختلاف ملتهما. إذ يحتمل أن تكون ملتهما واحدة كما يشعر به وقوع لفظ الملة مفرداً. ويكون أفراد كل منهما بالذكر لاختلافهما في بعض الأحكام مع كون ملتهما واحدة. والجواب عن الآية الثانية. أن معناها لكل من دخل دين محمد -صلى الله عليه وسلم- جعلنا له القرآن شرعة ومنهاجاً كما قال مجاهد. ويجاب عن الحديث بأن المراد بالملتين فيه الإسلام والكفر بدليل أن في بعض طرف زيادة "فلا يرث المسلم الكافر". (٢) متفق عليه، وأخرجه أصحاب السنن. (٣) قيل يستثنى من قول الشيخ المسلم لا يرث الكافر ما لو مات الكافر عن زوجة حامل ووقفنا =