للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسْلَم قبْلَ القِسْمَةِ وَرِثَ مِنَ المُسْلم، قال الشيخُ أبو محمَّد: والفرقُ بين الميراثَ، حيثُ لا يَرِثُ المسلمُ من كافِرٍ مَا، وبَيْن النِّكَاح، حيث يجُوزُ لَهُ نكاحُ بعْضِ الكافراتِ أن التوارث مبنيٌّ على الموالاةِ والمناصرَةِ، ولا موالاة ولا مناصرة بين المسلِمِ والكافرِ بحالٍ، ومواصلَتُنَا إيَّاهُمْ نوعُ تشريف لَهُمْ، فيختص بمَنْ لهم أصْلٌ من الاحترامِ، وهم أهْلُ الكتابِ.

المسألة الثانيةُ: يَرِثُ الكفَّارُ بعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، كاليهوديِّ من النصرانىِّ، والنصرانيِّ من المجوسيِّ، والمجوسيِّ الحربيِّ من الوثَنِيِّ، وبالعْكوس وبه قال أبو حنيفة: ووجَّهَه: بأنَّ الكفار -على اختلافِ فِرَقِهِمْ- كالنَّفْس الواحدةِ فِي مُعَادَاةِ المُسْلِمِينَ والتَّمَالُؤِ عليهم.

قال الشافعيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- المُشْرِكُون في تفرُّقِهِمْ واجْتماعِهِمْ يَجْمَعُهُمْ أعظَمُ الأُمورِ، وهو الشِّرْكُ باللَّهِ تعالَى، فجعل اختلافهم كاختلافِ المَذَاهِبِ في الإسْلاَم، وقد قال عزَّ اسْمُهُ:

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}: [الكافرون: ٦] وقال عَزَّ وجَلَّ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢]

فأشْعَر بأنَّ الكفْر كلَّه ملةٌ واحدةٌ.

وقال أحمد -رحمه الله- في أصَحِّ الروايَتَيْنِ: لا يرثُ أهْلُ ملَّة من أهْل ملَّة أخْرَى.

وعن ابن خَيْرَانَ وغَيْره تخريج وجْهٍ مثْله بنَاءً عَلَى قولنا إن الكافِرَ إذَا انْتَقَلَ منْ دينٍ إلَى دِينٍ لا يُقَرُّ عليه، فإنه يقتضي أنْ يكُونَ الكفر كله مِلَلاً مختلفةً.

وهذا ما اختارَهُ الأستاذ أبو منصور فيما حكاه أبو خَلَفٍ الطبريُّ، ويدلُّ عَلَيْه ظاهرُ مَا رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شيء" (١).


= الميراث للحمل فأسلمت ثم ولدت الولد ورث، وإن كان محكوماً بإسلامه لأنه كان محكوماً بكفره يوم الموت. ذكره الرافعي في الكلام على إرث الجنين، وقد يقال هذه لا ترد لأنه حين موت أبيه كان كافراً فما ورَّثنا إلا كافراً من كافر. وما ذكره الشيخ الأسنوي عن الأشراف للقاضي عبد الوهاب المالكي في الخلاف أن الشَّافعي رضي الله عنه قال: إذا مات عتيق المسلم النصراني أنه يرثه معتقه المسلم لا يعرف هذا في نصوص الشَّافعي بل الموجود في نصوصه عدم الإرث وأطال الشيخ البلقيني وغيره الرد عليه.
(١) رواه أحمد. والنسائي. وأبو داود. وابن ماجة. والدارقطني. وابن السكن، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه ابن حبان من حديث ابن عمر في حديث، ومن حديث جابر =

<<  <  ج: ص:  >  >>