للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الأول: التبرعات المنجزة، كالإعْتَاق، والإِبْرَاء، والوقْف، والصَّدَقة، والهِبَة مع الإقباض، والمُحَابَاة في العُقُود، وهيَ إِمَّا أن تترتَّب، أو توجَدَ دفعةً واحدةً، وإن ترتبت؛ فيقدم الأولُ فالأول إِلى استغراق الثلث، وإِذا تَمَّ الثلثِ، نِيط أمر الزائِدِ بإجارة الوَرَثَةِ عَلَى ما مرَّ.

وإنما كان كذلك؛ وإن الأولي لازِمٌ لا يفتقر إلى رضا الورثة، فكان أقوى، ولا فرق بين أن يكُونَ المتقدِّمَ والمتأخِّر من جنس واحد، أو من جنسَيْنِ، ولا إذا كان من جِنسَيْن بَيْن أن يَتقدَّم المحاباةُ على العِتْق، أو يتقدَّم العتقُ على المحاباة.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: إذا تقدَّمتِ المحاباةُ على العتق، يُسَوَّى بينهما، ويُقَسَّمُ الثلث عليهما.

لنا: أنها عطيةٌ منجزةٌ لازمةٌ، فلا يساويها ما بعدها، كما لو تقدَّم العتق، أو ترتَّبت محاباةُ، وإن وجدتْ دفعةً واحدةً، فإما أن يتحد الجنس، أو يختلف:

إن اتَّحَدَ كما إذا قال لعبيد [له]: أعتَقْتُكُم، أو وهب عبيداً من جماعة، أو أبرأ جماعةً عن ديونه علَيْهِمْ، فلا يتقدَّم البعض على البعض، ولكن في غير العتق يقسَّط الثلث على الكُلِّ؛ باعتبار القيمة على ما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل.

وفي العتق يُقْرَعُ بين العبيد، ولا تفرق الحريةُ وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا يُقْرَعُ بينهم، بل يُعْتَقُ من كلِّ واحد منهم ثلثه ويستسعى في الباقي ومَعْتَمَدُنَا في الفَرْق بَيْن العِتْق وغيره: ما رُوِيَ عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنِ -رضي الله عنه- أنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُم رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَزَّاهُم أَثْلاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةَ (١)، وَفَرَقُوا من جهة المَعْنَى؛ بأن المقصود من الإعتاق تخليص الشخْص من الرقِّ، وتكميل حاله، وهذا الغرض لا يحْصُل مع التشقيص لبقاء أحكام الرِّقِّ.

والمقصودُ من الهبة، وما في معناها التمليكُ والتشقيص لا ينافيه، فإِن اختلف الجنسُ؛ بأنْ وكل بكل تبرُّع وكيلًا، فتصرَّفوا دفعةٌ واحدةٌ، فإن لم يكُنْ فيها عتقٌ، فيقسَّط الثلثُ على الكلِّ باعتبار القيمة، وإن كان فيقسط أو يقدَّم العتْق؟ فيه قولان، كما سنذكر في التبرعات المعلَّقة بالمَوْتِ.

القسم الثاني: التبرُّعات المعلَّقة بالموت، كالوصايا، وتعليق العتْق؛ فلا يقدَّم عتق


(١) أخرجه مسلم، والنسائي، وأبو داود، وزاد أن الرجل كان من الأنصار، وأنه قال: لو شهدته قبل أن يدفن، لم يقبر في مقابر المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>