للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبْدٍ على عتق غيره، ولا في غير العِتْقِ تبرُّعٌ على غيره، وإن تقدَّم بعض الوصايا، وتأخَّر بعضها، بل في العتق يُقْرَعُ، وفي غيره يقسَّط الثلث على الكلِّ؛ باعتبار القيمة، وفي العِتْق في هذا القِسْم وجه أنه لا يُقْرَعُ، بل يُقسَّط الثلث عليهم، وإنما القرعة من خاصِّيَّة العتْق المنجز؛ لوُرُودِ الخبر، وهذا الوجْهُ مذكورٌ في الكتاب في "باب العتق" والمذهب الأول، ثم ذلك عند إطلاق الوصية، أما إذا قال: أعتقوا سالمًا بعد مَوْتي، ثم غانِمًا، أَوِ ادْفَعُوا إلى زيد مائةً، ثم إلَى عمرو مائةً، فيقدَّم ما قدمه لا محالة، وإذا اجتمع في هذا القسم العتْقُ وغيره، فقولان:

أحدهما: يقدَّم العتقُ؛ لِمَا رُوِيَ عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنْهُما- أنه قال: يُبْدَأُ في الوَصَايَا بالعْتْقِ (١)، وعن ابن المسيِّب -رحمه الله- أنه قال: مَضَتِ السُّنَّةُ أنْ يُبدَأَ بِالعَتَاقَة في الوَصِيَّةِ، ولأن العتق أقوى؛ لتعَلُّق حق الله تعالى، وحق الآدمي به ولأن له سرايةٌ وقوةٌ ليست لغيره.

وأصحهما: التسويةُ: لما رُوِيَ عن ابن عُمَرَ (٢) -رضي الله عنْهما- أنه: "حكم الرجل أن يوصي بالعتق، وغيره بالتحاص (٣)، ولأن وقْتَ لزومِ الجميع واحدٌ، وهذا في وصايا التمليك مع الوصية بالعتق، أما إذا أوصَى للفقراء بشَيْءٍ، وبعتق عبد، قال في "التهذيب": هما سواءٌ؛ لأنَّ كُلاًّ منهما قربةٌ. والذي أورد [هـ]، الشيخ أبو عليٍّ طرد القولَيْن؛ اعتماداً على أَن سبب تقديم العتق ما له من القوة والسراية.

وإذا قلْنَا بالتسوية، فما يخص العبيد المعْتَقِينَ، إذا ضاق عنهم يُقْرَعُ بينهم فيه.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: إن كان في الوصايا الأمرُ بزكاةٍ واجبةٍ، أو حجٍّ تُقدَّم تلك الوصية عَلَى سائر الوصايا، وإلاَّ، فيقدَّم ما ابتدأ به لفظاً.

القسم الثالث: إذا صدَرَتْ منه تبرعاتٌ منجَّزةٌ وأخرَى معلَّقة بالموت، تقدَّمت المنجَّزةَ؛ لأنَّها تفيدُ المِلْك في الحال، ولأنها لازمةٌ، لا يتمكن المريضُ من الرجُوع عنها. وعن أبي حنيفة: أنه إذا أعتق، وأَوصَى بالعتق، فهما سواء.

وقوله في الكتاب: "ولا يقدَّم العتق على الوصية بالعتق" المراد منْه ما إذا علق عتق عبْد عند الموت، وأوصى بإعتاق آخر فلا يتقدم أحدهما على الآخر؛ لأن وقت استحقاقهما واحد، وقد اشتركا في قوة العتق.


(١) أخرجه البيهقي من حديث أشعث عن نافع عنه به موقوفاً.
(٢) في التلخيص: عمر.
(٣) أخرجه البيهقي من حديث مجاهد عن عمر قال: إذا كانت وصية وعتاقة تحاصوا، وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وأخرج مثله عن ابن سيرين. قاله الحافظ في التلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>