للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "الشامل" وغيره وجه آخر؛ أن المدبر أولى بالعتق؛ لأنه يسبق الآخر من حيث إن الآخر يحتاج إلى إنشاء عتقه بعد الموت.

وقوله قبل ذلك: "وإن تقدمت هبة وإقباض"، بين بذكر "الإقباض" أن تقديم الهبة وحدها، غير كاف؛ لأن تمام الهبة بالقبض. حتى لو وهب، ثم أعتق أو حابى في بيع، ثم أقبض الموهوب تقدم العتق، أو المحاباة؛ لتأخر القبض عنهما. ولا تفتقر المحاباة الواقعة في بيعٍ ونحْوِه إلَى قَبْضٍ؛ لأنَّها في ضِمْن مُعَاوَضَةٍ.

وقوله: "لأن التشقيص في العتق محذورٌ أشار به إلى أن التشْقِيص لا يفيد التخلُّص من الرق وأحكامه، والخَبَر المُجْمَلُ ذكْرُهُ هو حَدِيثُ عِمْرَانَ -رَضِيَ الله عنه-.

وفي تقديم الكتابة عَلى الهبات وسَائِرِ الوصايا طريقَانِ:

أشبههما: أنه على القولَيْن في تقدم العتقْ عليها.

والثاني: القطْعُ بالتسوية؛ لأنَّها ليس لها من القوة والسراية ما للعِتْق.

وأما قوله: "والكتابةُ محسوبةٌ من الثلث" فهذه المسألة أولاً -ليست من شرط الفصل، بل موضعُها الفَصْل السابق، ثم فقهها أنه إذا كاتب في مرضه عبداً أو أوصَى بكتابته، تعْتَبَرُ قيمته من الثلث، خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- إذا كاتبه على قَدْرِ القيمة أو أكثر.

واحتجَّ الأصحاب بأنَّ المكاتبَ تقابل ملكه بملْكِهِ، وهو كسبه فيَكُونُ تفويتًا على الورثة لا معاوضةً، وبتقدير أن يكونَ مُعَاوَضَةً، فالعوضُ مُؤَخَّر، فأشبه البيع نسيئةً، ولو كاتَبَ في الصحَّة، واستوفَى النجوم في المرض، لم تعتبر قيمته من الثُّلُث؛ لأنه بالكتابة كالخَارج عن ملكه، ولو أعتقه في المرض، أو أبرأه عن النُّجُوم، اعتبر منَ الثُّلُثِ أقَلْ الأمْرَيْنِ، قيمته أو النُّجُوم لأنه، إن كانت القيمةُ أقلَّ، فربما كان يُعْجِزُ نفسه، فيسقط النجوم، وإن كانت النجومَ أقلَّ، فربما كان يؤديها، فلا يحْصُلُ للوارث غيرها.

والاستيلادُ في المرض لا يُعْتَبَرْ من الثلث، كما يستهلكه من الأطعمة اللَّذِيذَة، والثياب النفيسة، ويُقْبَلُ إقرارُ المريض بالاستيلاد؛ لقدرته على الإنشاء، ولا يُعْتَبَرُ قيمتها من الثلث، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- تُعتبر قيمتها من الثلث في صورة الإقرار، ولو قال لعَبْده: أنتَ حرٌّ قبل موتي بيومٍ، أو شهرٍ، ثم مرض، ومات؛ لم يعتبرْ من الثلث، وإن قَالَ: قبل مَوْتِي بشَهْرٍ، فإن نقص مرَضَهُ عن شَهْر، فكذلك الجواب، وإلاَّ، فهو كما لو عَلَّق عتق عبْدٍ في الصحة، ووجدت الصفة في المَرَض، وفيه قولان.

فرُوعٌ: قال في مرضه: سالِمٌ حرٌّ، وغانِمٌ حُرٌّ، وفائقٌ حُرٌّ، فهذا من صُوَر ترتيب التبرعات المنَّجزة، ولو قال: سالِمٌ، وغانمٌ، وفائقٌ، أحرارٌ، فهو من صور وقوعها دفعةً

<<  <  ج: ص:  >  >>