للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحَالَة هذه، إلى رقبتَيْنِ، أو رقبة، فإن صرفه إلَى رقبتَيْن، قال الشيخ أبو الفرج الزاز: يضمن الوصيُّ الرقبةَ الثالثَةَ، وضمانُهُ ثلثُ ما نفذ فيه الوصية، أو أقلُّ ما يَجِدُ به رقبةً؟ فيه خلافٌ، كما لو دفع نصيب أحد أصناف الزكاة إلى اثنين، وإن لم يتيسَّر شراءُ ثلاثِ رقابِ بالثلث، فيُنْظَرُ؛ إن لم يوجَدْ به إلاَّ رقبتان، اشتريناهُمَا، وأعتقناهما، وإن وجدْنا رقبتين، وفضل شيء، فهل يشتري بالفَاضِل شِقْصًا؟ فيه وجهان:

أحدهما: وَيُحْكى عن أَبي إِسحاق: نعم؛ تكثيرًا للعتق؛ ولأنه أقرب إلَى غرض المُوصِي.

والثاني: وبه قال ابن سُرَيْجٍ: لا؛ لأن الشِّقْص ليْسَ برقبة، فصار كما لو قال: اشتَرُوا بثُلُثِي رقبةً وأعتقوه، فلمَ يجد به رقبةً، لا يشتري الشقص ولأن نفاسة الرقبة مرْغُوبٌ فيها، رُوي أنه -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عن أفْضَل الرِّقَاب، فَقَالَ: "أَكْثَرُهَا ثَمَنًا، وأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا" (١) فيراعيها إذا ألزمنا محذور التَّشقيصَ، والوجه الأولُ أظهرُ عند صَاحِبِ الكتاب، والثاني أظُهَرْ عند عامَّة الأصْحَاب، وهو ظاهر النَّصِّ، فإن قلْنا: لا يشتري الشَّقْص، اشترينا رقبتين نفيسَتَيْنِ، يستغرق ثمنهما الثلث، فإنْ فَضَلَ عن أَنْفس رقبتينِ، وجدناهما، بطلت الوصية فيه، ويرد على الورثة، وإن قُلْنَا: يشتري الشِّقْص، فذاك، إذا وجد شقْص يشتري بالفَاضِل، وزاد عَلَى ثمن أنفس رقبتين شيء. أما إذا لم يكُنْ شراء شقُصٍ بالفاضل، إما لقلَّتِه، أو لِفِقْدَانِ الشِّقْص، فيشتري رقبتان نفيستان، فإن فَضَل شيءٌ عن أنفس رقَبَتَيْنِ وجدناهما، بطَلَتِ الوصيةُ فيه، وفيه وجه أنَّه يُوقَفُ إلَى أن يوجد شِقْص، وإن لم يزد على ثمن أنفس رقبتين شَيْءٌ؛ بل أمكن شراءُ رقبتَيْنِ نفيسَتَيْنِ، وأمكن شراءُ خسيستين، وشِقْصٌ من ثالثة فأيُّ الطريقتين أولَى؟ فيه وجهان:

أحدهما: الأوَّل لمعنَى النَّفَاسَة.

وثانيهما: الثاني؛ لما فيه من كَثْرةِ العِتْق، وهذا أشبه بمأْخَذَ الوَجْه الذي عليه نفرع، ولو كان لفظ الموصِي: اصْرِفُوا ثُلُثِي إلى العتق، فلا خلاف في أنَّا نشتري الشِّقْصَ، ولو قال: اشْتَرُوا عبداً بألف، وأعتقوه، فلم يخْرُج الألف من ثلثه، وأمكن شراءُ عبْدٍ بالقدْر الذي يخرج، فيشتري وُيعْتَقُ كما لو أوصَىَ بإعتاق عبد، فلم يخرج جميعُهُ من الثلث فيتعين، إعتاق القدر الذي يخرج، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: لا يشتري وتَبْطُلُ الوصية. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الطَّرَفُ الثَّالِثُ في المُوصَى لَهُ فَإذَا قَالَ: لِحَمْلِ فُلاَنةٍ، كَذَا فَأتَتْ


(١) متفق عليه من حديث أبي ذر بلفظ: أعلاها، بدل أكثرها، وهو في الموطأ من حديث عائشة بلفظ المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>